سوريا تخنقنا ولا نخنقها

آراء 2019/05/04
...

حازم مبيضين
 
لم يكن منطقياً، تحميل سوريا الشعب والدولة، منّة رفض الأردن للضغوط الدولية والإغراءات الإقليمية، للتدخل مع القوى التي استهدفت الدولة الجارة، وهو رفض ينبع من الرهان على أحزاب وتنظيمات التيار الإسلامي السياسي، المدعومة من أطراف إقليمية ودولية، تستهدف ستراتيجياً إفقار سوريا وإضعافها أمام المشروع الصهيوني، وتدميرها لصالحه، فالخيار الأردني الذي ظل ثابتاً بشكل واضح، وشعاره الحل السياسي للأزمة السورية، وعدم التدخل في الشؤون السورية الداخلية، لم يكن ليرضى به النظام، ولم يكن لترضى به المعارضة، فقد كان لكل طرف رغبة يتطلع لأن يكون الموقف الأردني معها أو ضدها، فالنظام يرى أن عدم وقوف الأردن معه، يصب لمصلحة المعارضة المسلحة، بينما ترى المعارضة أن الموقف الأردني المتزن يصب لمصلحة النظام، وهكذا صمد الأردن في وجه رهان الطرفين، وبقي موقفه متوازناً تمليه مصلحته الوطنية بالأساس، وليس مصلحة النظام أو المعارضة.
 
مصلحة الأردن لم تكن مع القوى المسلحة، الأكثر تطرفاً وعدوانية وتفتقد للاستقلالية لأنها أسيرة برنامج الممولين الذين لا تعنيهم مصلحة سوريا الوطن والشعب والنظام، قد تختلف نظرة الأردن مع رؤية الدولة السورية واجتهاداتها، وهو خلاف طبيعي، لم يكن ولن يكون نقيضاً متعارضاً مع أمن واستقرار أولويات أي منهما، ومثلما لا نقبل أي تدخل من أي طرف بخيارات الأردنيين
، لا نقبل لأنفسنا التدخل في شؤون السوريين الداخلية وخياراتهم، فهذا شأنهم ولا يجوز أن نُحمل سوريا منة، لأن عدم التدخل الأردني، ورفض التآمر على سوريا، له دوافع وطنية أردنية عُليا، نتوسل من خلال هذا الموقف الحفاظ على أمننا الوطني المرتبط بالأمن القومي العربي.
 ويشكل امتداداً وتكملة له، في مواجهة كل الأطراف الإقليمية والدولية التي لاتتحلى بروح الشراكة واحترام المصالح المشتركة المتداخلة، وفي مقدمتهم العدو الصهيوني، وكأردنيين لا نستطيع إلاّ الوقوف في الخندق الداعم لاستعادة سوريا أمنها واستقرارها واحترام خياراتها، وغير ذلك عبث وفوضى وانتهاك لحقوق الجيرة والأخوة والشراكة والمصالح الوطنية والقومية المتبادلة.
مؤخراً اتخذت عمان قراراً بوقف كافة أشكال الإستيراد والتصدير من سوريا، وهو قرار ليس له تبرير إلا أننا نُخضع لإملاءات وشروط تركيعية في ظل هذا الجمود المخيف في الوضع الإقتصادي
، وإلا كيف نتخذ هكذا قرارات في زمن الكساد، فالقطاعات الصناعية والتجارية باتت في مهب الريح، وما توصل اليه علم الكساد لدى الحكومة الأردنية، بعد انتظار طويل لفتح الحدود وعودة المواصلات، جعل المواطن الأردني يختنق، حتى أحكمت أخيرا الحلقة الحديدية على رقبته، وُدقت طبول الحرب الإقتصادية والمالية فوق رؤوسنا، فيما الحكومة تتخذ إجراءات سهلة جداً، وقف الإعفاءات التشجيعية، رفع الضرائب على القطاعات الصناعية والتجارية، زيادة أسعار التعرفة الكهربائية والخدمية، ثم أخيرا صدر القرار العجيب توقفوا عن التصدير أو الاستيراد من 
سوريا.
الحديث عن سوريا ما قبل عام 2010 يختلف عما بعده، ولو سألنا أي مواطن أردني لاعلاقة له بالصناعة أو التجارة أو الاستيراد، عن قرار توقف التصدير إلى سوريا تحديداً لقال لك أن ذلك من شرّ البدع، ومن يتحدث عن المصلحة الوطنية، عليه فتح كافة الأسواق في ظل هذا الكساد القبيح، الذي يلتهم ما في جيوب المواطنين، مع ما يرافقه من توقف حركة البيع والشراء لأعلى نسبة في تاريخنا، وللعلم فإن الخطوط التصديرية البطيئة لسوريا مفتوحة على أربع وجهات، العراق وإيران وتركيا ولبنان، عدا عن التهريب الواضح عبر حدودنا، وعلى المسؤولين تقدير حجم خسائرنا، فمن سيعوضنا يا ترى؟
، سوريا هي التي تخنقنا وليس العكس، ولننتظر بعد كل ذلك الحوارات المغلقة عبر النوافذ الخلفية.
صمدت سوريا اقتصادياً لحوالي العشر سنوات من الحرب الهمجية التي شُنت ضدها، صحيح أنها استنجدت بجيران وأصدقاء وقفوا إلى جانبها، لكنها صمدت، ولم يعد يضيرها إغلاق الحدود الأردنية بوجه صادراتها، ما يطرح السؤال إلى أين نحن ذاهبون؟.