علي رياح
لن تغادر ذاكرتنا تلك الصور المؤلمة التي كانت تصف الوضع المتهالك الذي كان عليه فريق الطلبة في مواسم مضت، حين كان تردّي الأحوال فيه سبباً في انحدار خطه البياني ودخوله في صراع الحفاظ على مقعد في الدوري بدل الخوض في صراع الحصول على لقب الدوري.
صور مريرة ما زالت عالقة في أذهان محبيه، نستعيدها اليوم و(الأنيق) يواصل التعافي الذي كان عليه في الموسم الماضي، فاستردّ شيئاً من مكانته، وها هو اليوم لا يدّخر سبيلا في التحضير لموسم جديد يحمل بشائر اكتساب شهادة التعافي والعودة إلى قلب الصراع الحقيقي على ألقاب الموسم الجديد. هذا ليس انطباعاً مفروغ الأساس أو أنه صادر لرفع المعنويات، بقدر ما هو قائم على مؤشرات إدارية وفنية وتنظيمية انتشلت الطلبة من تلك الصور، وهي تضعه اليوم على سكة البحث مُجدداً عن الألقاب.
لستُ هنا استكثر على الإدارة الطلابية أن تسعى لاستقطابات مهمة لفريقها. من يستكثر عليها هذا عليه أولاً أن يتأمل ما يجري في ساحة التعاقدات، وما قدمته أندية كبيرة أخرى من إغراءات مالية باتت جزءاً من صميم المناخ الاحترافي في العراق والعالم كله. حتى لو كانت لدينا ملاحظات على السقف المرتفع من الأموال في حالات عديدة، فهي أرقام يفرضها التنافس على لاعبين محددين، ولا تفرضها القيمة الفعلية لعطاء أو موهبة اللاعب نفسه، وهذه حقيقة ينبغي الاعتراف بها.. ولكن ما باليد حيلة، فهذه هي وسائل (اللعبة) الاحترافية ومقتضياتها.. والطلبة يفعل ما يفعله غيره من الأندية ذات المقدرة المالية، ولا عزاء للأندية التي تعاني شح الموارد فتخرج من هذا السباق جريحة تعاني، ومعها تبدأ معاناة جمهورها كما هو حاصل في الزوراء.
ما تهيّأ للطلبة إدارياً ومالياً في زمن الاحتراف، سيسهم في انطلاق الفريق على نحو مختلف.. ويوم كان اللاعب يبحث عن نادٍ كبير يلعب له من دون النظر إلى المغريات المالية قبل عقود من الزمن، كان الطلبة الوجهة التي يصوب كثير من اللاعبين أنظارهم إليها، لهذا كان الفريق يفوز بلقب الدوري مطلع الثمانينيات وهو لا يضم إلا وفرة غالبة من طلبة الكليات، كان جُلهم يجلس على مقعد الدرس في كلية التربية الرياضية في الكسرة، لينال جرعات العلم من أساتذة كرة القدم، مثل الراحلين مؤيد البدري وثامر محسن، وكان الوصول إلى هذا المقعد كل ما يحلم به لاعب موهوب مثل حارس محمد ابن الموصل وهداف شباب آسيا (1978)، عندما كان يفاضل بين الأندية البغدادية، وهكذا كان شأن كثيرين غيره. في زمن الهواية الحقّة كان الانضمام إلى الطلبة، مثل الزوراء والجوية والشرطة، حلماً لدى كل لاعب، ويومها كان (الأنيق) يتجلّى ويتألق وينال الألقاب ويغلب وجود لاعبيه على تشكيلة المنتخب العراقي. لم يحدث الانحسار إلا حين كانت لضيق الحال أو المال وسوء التصرف فيه كلمة قاهرة وسط تعثر إداري (طلابي) واضح، بينما كانت أندية أخرى تملك هذا الغطاء..
الآن وبعد أن أصبحت لدى الطلبة القدرة المالية على قدم المساواة مع غيره من كبار الأندية، صار في وسعه أن يتحرك، وأن يعمل بخطى متسارعة، وسنرى في وقت قريب أنه سيجاريهم في الإنجاز مستعيداً بذلك أناقة افتقدناها طويلاً.