حسين الصدر 

 

- 1 -

الايثار والأنانية ضدان لا يجتمعان ...

ذلك أنَّ الايثار يعني تقديم الغيْر على النفس ، بينما الانانية هي انكار الآخر والغائِهِ من الحساب بشكل مطلق ،

وشتان بين الخصلتيْن ..

 

- 2 - 

الايثار من أروع ما يتسم به الانسان من صفات ، اذ ينطوي على معاني النبل والمروءة العالية ...

بينما الأنانية هي عصارة الانحطاط النفسي والأخلاقي ، فلا شيء أبشع من أن ترى العالم كلَّه – بكل مَنْ فيه وما فيه – من خلال ذاتِكَ التي لا تُحبّ لغيرها شيئا على الاطلاق ..!!

 

- 3 -

والنتيجة الطبيعية لهذا التفاوت بين الخصلتين هي انّ أهل الايثار محبوبون ممدوحون تلهجُ بهم ألالسنةُ، في حين أنّ الانانيين منبوذون مكروهون لا يحبهم أقرب الناس اليهم فضلاً عن الأبعدين ...

قال تعالى مادحاً للموثرين أخوانهم على 

أنفسهم :

{ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومَنْ يُوقَ شحُ نفسه فاؤلئك هم 

المفلحون } 

الحشر / 9 

وقيل :

ان هذه الاية نزلت بعد واقعة معينة ، واليكم القصة  :

{ ان سبعة أشخاص من المسلمين سقطوا جرحى في واقعة (أحد) وقد فتك بهم العطش وأضرَّ بهم ، 

فبادر شخص من المسلمين فجاءهم بماء ولكنه لم يكن يكفي الاّ واحداً منهم ، 

فناوله لشخصٍ منهم فأبى أنْ يشرب وقال له :

ناوِلْهُ لأخي لعله أكثر ظمأ 

مني ،

فانبرى اليه وناوله الماء فلما أراد أنْ يشرب سَمِعَ أنينَ صاحِبِه فامتنع من الشرب وآثره على نفسه .

وهكذا كان كل واحد منهم يؤثر أخاه في دِينِ الله على نفسه ، 

وانعطف الرجل الى الاخير منهم فوجده ميتا ، 

فأقبل ليسقي الآخر فوجده ميّتاً ، 

وهكذا ماتوا جميعا } 

- 4 -

ولكي تكون حياتنا الاجتماعية عابقةً بشذا المحبة والتواصل والتعاون لابُدَّ أن تزدان بالايثار ، وتعبق بعطره ، لا أنْ تتغنّى بأخباره فقط .

 

- 5 -

ولنضرب بعض الأمثلة :

اذا كنتَ عازماً على السفر للاستجمام والراحة لعدة أسابيع وجاءك من يُخبرك بان أخاك بحاجة الى السفر الى الخارج للعلاج .

وانّ هذا السفر في عداد الضروريات لانقاذ حياته ...

فمن أروع القرارات التي يمكنك ان تتخذها قرار تقديمه على نفسك وارسال ما كنت قد أعددتَه في المال لتلك السفرة اليه ليستخدمه في العلاج ...

 

- 6 - 

وقد تقول :

انّ المبادرات الانسانية المنطلقة من ( الايثار) أصبحت نادرة الوجود ...

ونحن لا ننكر ان الايثار عملةٌ نادرة ولكنها ليست مفقودة ...

وهي بحاجة الى تفعيل 

قبل أيام كان الناس يتحدثون عن وَلَدٍ بارّ آثَرَ والدتهُ باحدى كليتيه وهو ايثار بليغ للغاية .

وعلى مدار الأيام تَحْدُثُ هنا وهناك ألوانٌ وألوان من الايثار ، الا أنّها قد لا تنعكس إعلاميا بدرجة كبيرة .

 

- 7 - 

انّ انتشار “ الانانية” في المجتمع يدعونا الى التذكير بأهمية ( الايثار) ولكي يكون ( الواعظ) مؤثراً لابد ان يكون ( مُتَعِظاً) 

فلا يكفي الوالديْن مثلا أنْ يخبروا أبناءَهم بمزايا الايثار ، وانما المهم انْ يؤثروا المحاويج من أهلهم واخوانهم على أنفسهم، ليشهد الابناء بأعينهم تلك الممارسة الحّية ، التي لن تغيب عنهم دون ان تترك بصماتها في نفوسهم ، ويكون لها دور المُحفّز والباعث لهم على خوض غمار التجربة بجدارة 

وصدق .