اشتجار

ثقافة 2019/05/04
...

 
مهدي علي ازبيِّن
 
 
تتّسع عيون التوقعات، وتنفعل أسارير المفاجأة، كيف نخرج من نفق السنين، ومغالطة السلوك بمسايرة السائد- السائد المفروض عنوة؟ أتقاطع معه، لا أوافق الظاهر، أغاير الآخرين، أحيانًا يرتدّ عليّ؛ أغاير الأنا في داخلي.
ينزاح الهلام المتراكم بمراوح خارجية، يحدث فراغ يخلخل الأجواء، هل يشغلها النقاء أم ستلفنا أدخنة غير محسوبة؟
تركب توقعاتي سكة التفاؤل، سأجد صورًا مني؛ أصدقائي المفتقدين، جذوري، هُويتي في هذا العالم، أتلقفهم، آخذهم بالأحضان؛ سيتذوقون حلاوة التلاقي بعد مرارة الفراق.
تتداخل مياه الماضي بجحوده مع مياه الحاضر النزق؛ ليتجه نهر حياتنا في مسارات يرسمها أمل جديد.
ألتمس أشلائي، أتبع عبقًا يذكرني بمعنى وجودي، أفارق مدينة البرتقال، الشوارع يحفّها الرماد وبقايا عربات وأسلحة ثقيلة، كثير من أسرّة مرضى مهانة على أعتاب العاصمة.
حركة السير خجولة، تتقاطع اتجاهات الناس، الفزع يشكل الملامح، والتسرّع يتحكم بكل شيء.
تطالعني يافطة في الساحة الكبيرة، تغازل عيني، أرشف من ألوانها، أحتوي دلالاتها، أتنسّم شذاها، تستعيد عافيتي اتزانها، أنسى موجات الألم، تحلق بي اللحظة في عوالم مشتهاة، آمل أن تأخذني نحو مستقبل مرتجى، وأحظى بأبعاض روحي – أصدقائي/ أحبائي، لا حواجز تحول بيننا، سأجدهم ولن نفترق، يعوّض أحدنا الآخر فقداناته، نعيد ترتيب الفصول، نجعل كل مفاصل الوقت ربيعًا.. ننشد شجرة اسمها السعادة تبسق من أرض حرة.
تتوزّع عتبة المبنى الشاحب شلل متفرقة.. سلامات، عناقات، أحييهم بحياء؛ يردّون شاردين، تمسح عيناي الأجسام، تمحّص في الملامح؛ لم تؤشّر مجسات التذكر مخرج سرور، أو تطابق أبعاد شخص أعرفه. 
أخطو في مدخل المبنى؛ تصدمني هياكل تتزاحم في الباحة الكبيرة، الفراغ يتضايق حجمه بكتل الأجساد، الغبار يقاطع الانفعالات، يشاكس الأناشيد المثيرة. أحشر نحولي بين الكتل البشرية، أدقق في الوجوه، أفتش عن وجه مفتاح ينير ظلامًا راكمه الماضي، يزيح غبار 
التعب.
تتمدّد اللحظات، يستظل الانتظار بشجرة الصبر، هل يحطّ على أفنانها عصفور الأمل؟
يزوغ بصري، تتشابح الموجودات، تغزوني غربان التيئيس، تسوقني نحو بوابة لم تشرق على شرفتها شمس التمنّي.
قبل أن أنضو جلد المبنى؛ ألحظ لوحة إعلان، يصدمني عنوانها: (قائمة بأسماء الشهداء والمفقودين).
أكتم أنفاسي، أتتبّع نسقها، حروف تشكّل أسماءً تفصح عن حياة أُطفئت، اُقتطعت من تاريخ وجودها فيوض معانٍ.
تتداخل انحناءات المفردة، تلتمع السطور بندى الدمع، أنهي جردة الأسماء، أشهق، أستلّ قلمي، أدوّن اسمي في ذيل القائمة، أمسح الدمع بمنديل الأسى، وأنفتح على نهار داخن.