علي لفتة سعيد
في أغلب دول العالم هناك سعيٌ للتخفيف عن كاهل المواطنين الذين يعجزون عن إيجاد العمل لأسبابٍ عديدة، أهمها الوضع الصحي والعمر المتقدّم والإعاقة الدائمة، فضلاً عن الجوانب الإنسانيَّة الأخرى، ومنها البطالة التي يتسبّبها الواقع الاقتصادي المتعب في هذه الدولة أو تلك.
ولهذا فإنَّ هذه الدول تريد شمولاً في قطاعها الرعوي ما يستطيع سد الرمق وعدم البقاء تحت خط الفقر لهذه الأسر، بل إنَّ الدول تسعى أيضاً من خلال قانون الرعاية الاجتماعيَّة الى توفير برامج أخرى مختلفة، منها التدريب وتوزيع السلف وإيجاد فرص عملٍ بالتعاون مع المنظمات وأرباب العمل وغيرها من الجهات الساندة للدولة.
وهذه الرعيَّة لا تكون دائميَّة إلا للحالات النادرة ومنها العمر والعوق الدائم.
لكنَّ ما يحصل في العراق أنَّ هذه الرعاية تحوّلت الى عمليات فسادٍ واستنزافٍ لأموال الدولة وإعطائها لغير مستحقيها، بل وهي مستغلّة سياسياً من هذه الجهة أو تلك.
حتى بتنا مع كلّ وزارة نسمع إعفاء مستفيدين وضبط آخرين وتسجيل أسماءٍ جديدة.
الأمر الذي أدّى ويؤدّي الى طرح أكثر من سؤال: إذا كان الأمر كذلك ما هي الاجراءات التي اتّخذت بحقّ من استفاد وهو ليس ضمن فقرات الرعاية الاجتماعيَّة؟
وأيضاً هل تمَّ الكشف عن كيفيَّة حصول غير المستحق على هذا الراتب ومن روّج له المعاملة؟
لأنَّ الأمر ليس للفرد المستفيد المزوّر للمعلومة، بل للجهة التي ساعدت وأسهمت بترويج المعاملة.
إنَّ هذا الأمر لا يعني الوقوف ضد المستفيد وهو مستحقها، بل إنَّ الأمر يتطلّب ردع غير المستحق لكي يزيد من راتب المستحق ويتمكّن من العيش بسلامٍ وأنْ يتجاوز خطّ الفقر الذي وصل في العراق الى أكثر من تسعة ملايين مواطن بحسب الإحصائيات وإنَّ المستفيدين بلغ نحو مليون و400 ألف أسرة، والأسرة غير الفرد.
ولهذا فإنَّ عمليَّة التسجيل تشبه عمليات القرعة التي كانت تحصل للوظائف الحكوميَّة التي تبين أنها أجرت القرعة والحقيقة أنها منحت الدرجة الوظيفيَّة لمن يراد له أنْ يحصلَ عليها.
إنَّ الرعاية الاجتماعيَّة في مفهومها لدى البعض أنها تمنح لغير الموظف وهي ثقافة يمكن أنْ نجدها عند الكثيرين من الذين نلتقي بهم ويتبيّن أنَّ لديهم راتبًا من الرعاية الاجتماعيَّة وحين تسأله يقول إنَّه غير موظفٍ وهذا حقي من الدولة وحصّتي من النفط أو أنه استفتى رجال دين وأعطوه الحجّة بالحصول على الراتب، وهو ما جعل الكثير من أصحاب الدخول العالية من العاملين في القطاع الخاص لديهم رواتب تحت هذه الحجج وغيرها التي يردّدها المستفيد الغني والذي يحصل على مردود حتى أكثر من الموظف الذي لا يتجاوز الكثير منهم راتب الستمئة ألف
دينار.
إنَّ عمليات المتابعة التي تجريها الوزارة والتي تبيّن حصول حتى بعض الموظفين على راتب الرعاية وهو جهد جيد وقد ذكر الوزير الأسدي مثلاً أنَّه تم «إيقاف 17,500 أسرة متجاوزة تتقاضى أكثر من راتب، إضافة إلى إيقاف 2٬086 أسرة نتيجة ظهور أكثر من بصمة من خلال (الكي كارد) الخاص بهم، فضلاً عن إيقاف 226 أسرة نتيجة ظهور أكثر من قيدٍ على قواعد بيانات الحماية الاجتماعيَّة، كما تمت إعادة تدقيق 13.498 أسرة نتيجة تقاضيهم إعانة الحماية الاجتماعيَّة وقروضاً، إذ تمَّ استرداد المبالغ التي بذمتهم».
إنَّ هذا الجهد يقابله منح غير المستحقين ومنها رواتب المطلقات أو الأرامل مثلاً الذي لا بُدَّ أنْ يخضع الى معيار الحالة الاقتصاديَّة فليس كل أرملة أو مطلقة هي فقيرة، حالها حال المستفيد من المسجّلين كونهم عاطلين عن العمل لكنهم يعملون بتجارةٍ مربحة.
والسبب في ذلك هو تهاون الموظفين في عدم المتابعة الجديَّة للحالة الاقتصاديَّة للمتقدم أو عن طريق الواسطة أو الحصول عن طريق دفع الرشى.
إنَّ واحداً من أهم الإجراءات التي يمكن لها الحدّ منها هو ليس فقط استرداد الأموال لمن تسلمها وهو غير مستحقٍ وأغلبهم من تمَّ كشفهم أنهم موظفون، بل بمعاقبة من أدرج اسمه وجعله مستحقاً لكي يكون الردع قوياً، وبالتالي وصول المال الى المستحق بل وزيادته.
لأنَّ في كل عام تتجه العمليات السياسيَّة الى استغلال هذه الفئة من أجل الحصول على الأصوات الانتخابيَّة، وإلّا فما معنى أنْ تكون عمليات التدقيق التي نسمع بها تؤدّي الى زيادة أرقام المستفيدين وليس التقليل من أعدادهم.
مرَّة ظهر على شاشة إحدى الفضائيات صائغ ذهب وهو يصرخ بأنَّه بحاجة الى راتب الرعاية لأنه غير موظّف. مثلما ظهر تاجر وقال إنَّ لديه راتب الرعاية الاجتماعيَّة.