الهيبة المتأرجحة

آراء 2023/08/30
...

 سعاد الجزائري

 

الإنسان لا يرث الكرامة أو المهانة، بل يصنعها بنفسه.. ولا يولد ومعه كرامته وعزة نفسه، بل تُخلق وتصاحبه خلال سني حياته وما تعلمه أو اكتسبه من تلك الحياة، وهو أيضا لا يأتي مهانا بل يأتي بذلك لنفسه.

كرامة الانسان انعكاس جلي لبيئته وتربيته ولوعيه ايضا، وعندما يستهين بكرامته وقيمتها اجتماعيا، فإنه بالضرورة سيفقد اللجام على سلوكه ويتحول إلى كائن أهوج يتصرف، وكأنه خارج كل الأخلاقيات والأطر الاجتماعية وخارج انسانيته وحتى حيوانيته

 لأن أشرس الحيوانات عندها ضوابط وقواعد يستغربها البشر، ومن يطّلع على عالم الحيوان يجد أن لعالم الغربان مثلا محاكم تدين الخائن بينهم وتحكم عليه، وفقا لبشاعة جرمه وبما يخالف قواعد مجتمع الغربان. 

وهذا التقديم ينطبق على البلد وقيمته بين الدول الأخرى كما ينطبق على الإنسان، فهيبة البلد تنعكس على مواطنيه، ويعامل مواطن كل بلد وفقا لمكانة دولته وتأثيرها دوليا.

لا أعتقد بوجود أحد يختلف معي حول موضوع أن التعامل مع العراقي، خلال العقود الاخيرة، في بعض البلدان تدنى إلى مستوى توجب على وزارة الخارجية (احيانا وليس غالبا)، التدخل لإعادة الهيبة لمواطنيننا ولدولتنا، التي فقدت الكثير لأسباب كثيرة، لا يكفي مقال أو كتاب أو حتى موسوعة لتعداد الاسباب، أولها الفساد مرورا بالخيانة الوطنية بمختلف انواعها، والتنازل عن أجزاء من الوطن، وكأنه ملك ورثوه عن أجدادهم، وتعريجا على وجود رجال غير مناسبين إطلاقا في مناصب لا تليق بهم أو لمستوى شهاداتهم المزورة......الخ من عيوب تعدادها يطول حتى انقطاع النفس.. اينما يحل ترحالنا، وفي الكثير من الدول العربية، يتحدثون عن مستوى التعليم في العراق وتفرده عن باقي الدول، وعن تفوقه، سابقا علميا وثقافيا وحضاريا، وتستعرض الكثير من صور الفيسبوك التي تتحدث عن اناقة ورقي الحياة في عقود مضت، ولا علاقة لذلك بالسياسة فقط، بل بالتغيير الاجتماعي الذي بدأ يحصل كطفرات تراجعية وليس بالتدريج.

كل هذه العوامل، يتوجها فساد وديكتاتورية الانظمة التي حكمتنا وجعلت هيبة العراق تتدنى في منظور أناس كانوا يحلمون بأن يحصلوا على فرصة دراسة أو عمل ببلاد الرافدين.. عندما تغيب الهيبة والكرامة، ويبدأ المجتمع بالتعود تدريجيا على ذلك، فإن الهاوية ستصبح أقرب إلينا من الظل، بل ستنتشر الدونية بكل أشكالها وأجناسها، دون أن يعيق مرورها أي وازع أخلاقي.. كلمة الكرامة والهيبة أجدها اليوم تنقرض أخلاقيا في مجتمع تقف المرأة فيه وعلى مرأى من الجميع لترفع (نعلها) وتضرب من يمثل الدولة وقانونها، لأنه حاسبها عندما خالفت القانون، وصلافتها جاءت لأنها محسوبة على نائب المفترض أنه يمثل صوت الشعب ويحمي كرامته. 

وفي مشهد آخر زوجة أب تقتل ابن زوجها حتى الموت، وشرطي يغتصب طفلة بعمر سبع سنوات ثم يقتلها، وعشائر وميليشيات تهدد أطباء بالقتل، لأن مريضهم مات، وارتفاع عدد حالات الطلاق إلى اكثر من خمسة آلاف خلال شهر واحد، وسرقة ترليونات من الدنانير العراقية على مدى سنوات، واسلحة قتالية متطورة وطائرات مسيرة ملك لأفراد وعشائر وخارج سيطرة الدولة، وأنابيب بترول تمتد خلسة وتصدر النفط، ايضا خارج عن سيطرة الدولة، وأطنان من أنواع المخدرات تخترق الحدود، لتستقر في عقول شبابنا وشاباتنا بتخطيط منظم ومدروس حتى من قبل أجهزة تسمى ظاهرا حكومية وباطنها عصابات.

بعد كل هذا واكثر، هل نستطيع أن نتحدث عن هيبة وكرامة دولة أو عن السلوك الشائن، الذي بدأ ينتشر تدريجيا بدءا بالتعاطي وانتهاء بالاغتصاب مرورا بالسرقة والقتل. 

أي هيبة تبقى لبلد لا سيطرة له على ما يمرر عبر حدوده من محرمات، أو ما تهرب عبر حدوده من ملايين الدولارات المسروقة، تحت حماية مسؤوليها الذين هم اصحاب هذه السرقات، بل اخترقت الدول حدودها وتجاوزت على حرمتها. 

وأي هيبة واحترام يبقى لامرأة تضرب الشرطي لانه طبق القانون، وهل عرفت هذه المرأة المعنى الحقيقي للهيبة والكرامة، بينما في الوقت نفسه تصرف شرطي المرور النبيل، الذي لم يرفع يده على (سيدة)، وهذا الوصف للأسف لا يليق بها، لكنه، الشرطي، تصرف بلياقة وأدب جم، لأنه (جنتلمان) حقا بتصرفه المهني وأخلاقه العالية.

المشهد مخجل ومخزٍ للمرأة أكثر منه للرجل، والأكثر خجلا أن النائب الذي استندت إلى سطوته، لم يتقن حتى اختيار الشريكة التي تفهم معنى الكرامة والهيبة، فكيف سيمثل صوتنا وكرامتنا...

المشاهد كثيرة والتجاوزات أكثر والسرقات تتكشف يوميا بشكل مريع، وتبقى هيبتنا تتأرجح بين كفة كرامة وطن وسلوك مواطن.