محمد صالح صدقيان
لم نعد بحاجة إلى كثير الوقت لإعطاء الدليل تلو الدليل علی أننا أمام مؤشرات واضحة لولادة نظام عالمي جديد بعد قمة بريكس، التي عقدت في أفريقيا الجنوبية الاسبوع الماضي بزعامة خمس دول هي الصين وروسيا والبرازيل والهند وافريقيا الجنوبية، التي تمثل ربع الاقتصاد العالمي و42 بالمئة من سكان العالم.
اللافت في هذه القمة أنها وجهت الدعوة لست دول للانضمام لهذه المجموعة، كانت ايران من ضمنها إلى جانب السعودية والامارات ومصر واثيوبيا والارجنتين ولكل من هذه الدول خصائصها السياسية والاقتصادية والجيوسياسية.
واذا كانت اقتصاديات هذه الدول مهيأة للانضمام لبريكس، إلا أن دخول إيران أو الموافقة علی انضمام إيران للمجموعة يشكل نقطة لافتة ومهمة إن للدول المؤسسة للمجموعة أو للدول التي تمت دعوتها للانضمام لمجموعة بريكس.
وبعيد عن ذلك؛ فان ايران حققت انجازا تاريخيا بدعوتها لقبول عضويتها في بريكس، حيث لم يكن منتظرا قبولها في المجموعة بعد عام واحد فقط من تقديم طلب عضويتها، بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية والفنية التي تمر بها ايران مع المجتمع الدولي علی خلفية العقوبات، التي تفرضها الولايات المتحدة وعلی من يتعامل معها.
لقد لعبت الصين دورا محوريا لقبول ايران بعضوية بريكس، حيث اعتبر مراقبون أن هذه العضوية جاءت في اطار الجهود، التي لعبتها بكين لترطيب العلاقة بين طهران والرياض ما حدا بأمين مجلس الامن القومي الايراني السابق علي شمخاني اعتبار «قبول عضوية ايران والسعودية يقلل من التنافس الجيوسياسي ويخدم التعاون الجيواقتصادي ويعزز الامن والاستقرار في المنطقة التي تسعی دولها للتنمية والازدهار».
ولا يغيب عن البال أن الصين أرادت من هذه الخطوة تعميق نفوذها الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط لاستكمال عناصر مبادرتها «الحزام والطريق»، التي تريد تنفيذها في المنطقة والعالم.
إن عضويّة ايران في المجموعة الجديدة، التي تعتبر من اليات النظام العالمي الجديد تحسب للجهود، التي قامت بها الحكومة الايرانية للانضمام لمنظمة شنغهاي وبريكس، حيث تعطيها المزيد من الحركة والمبادرة والمناورة للتحرك في الأوساط الإقليمية والدولية.
إن أحد أهم الأهداف، التي قامت بها مجموعة بريكس هي دفع مستقبل الدولار إلى الواجهة؛ الأمر الذي سال له لعاب عديد الدول النامية، التي انسحقت اقتصادياتها تحت اقدام الاقتصاد العالمي، وآلياته الذي يهيمن عليه الدولار الامريكي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
هذه المجموعة أرسلت رسالة سياسية لواشنطن علی لسان رئيس أفريقيا الجنوبية رامافوزا عندما اعتبر «توسيع عضوية بريكس يلبي الرغبة في ولادة نظام دولي اكثر توازنا».
واذا كان صحيحا أن دول المجموعة الخمس لا تريد المواجهة، أو التقاطع مع الاقتصاد العالمي الجديد، الذي تتزعمه الولايات المتحدة راهنا؛ إلا أن الصحيح ايضا أن الدول النامية وتحديدا ايران تتحين الفرص للإفلات من الاليات، التي تكبل أياديها في الانخراط باقتصاد جديد تستطيع التخلص من العقوبات الاقتصادية، التي لا توجد مؤشرات لإزالتها علی ضوء السلوك، الذي تنتهجه واشنطن في مواجهة إيران.
يبقی السؤال ما الذي يمكن لإيران تقديمه لدول بريكس؟
وما الذي تستطيع أن تستفيد من هذه العضوية؟.
إن الموقع الجغرافي المتميز الذي تتمتع به ايران من خلال حدودها مع 15 دولة في الاتجاهات الأربع تجعلها متاحة للترانزيت والاتصال بين القارات المختلفة.
بين آسيا وأفريقيا وشبه القارة الهندية وأوراسيا والصين وروسيا؛ ناهيك علی قابليتها بتنفيذ مبادرة «الحزام والطريق» الصينية؛ اضافة إلى ذلك؛ فإنها تملك من مصادر الطاقة، التي تحتاجها دول المجموعة، كالنفط والغاز والامكانات الفنية والبشرية والتجارية.
في الجانب الآخر؛ فإن تعدد القطبية التي تبشر بها بريكس والآليات الاقتصادية كبنك التنمية، الذي أسسته بريكس يقدم عوامل مشجعة لإيران للدخول لعالم اقتصادي جديد، بعيدا عن العقوبات والسلوك الغربي الذي يحدد تجارة ايران الخارجية.
إن دعم العملات المحلية وتبادل السلع والبضائع والخدمات بين دول المجموعة عبر العملات المحلية علی غرار ما اتفقت عليه الإمارات مع الهند، لبيع النفط يعتبر خطوة في غاية الأهمية، حيث تعمل طهران لترويج مثل هذه السياقات الاقتصادية للالتفاف علی العقوبات الأمريكية.
وبعبارة أكثر دقة؛ فإن طهران تعتبر راهنا الرابح الأكبر في مجموعة بريكس، خصوصا اذا استطاعت من دعم قدراتها الفنية الادارية والفنية، لدعم سوقها الداخلية وعملتها المحلية.
حيث ما زالت عديد الوزارات والدوائر الحكومية المرتبطة بها تعاني من سوء إدارة، التي تشكل أحد التحديات الرئيسية المهمة، التي تواجه انضمام ايران لمجموعة بريكس وقدرتها للاستفادة من الاجواء التي توفرها هذه المجموعة للاقتصاد الإيراني.