السفير الصيني لـ « الصـــــباح »: تبادلنا التجاري مع بغداد تجاوز 30 مليار دولار

الثانية والثالثة 2019/05/05
...

 رسم السفير الصيني لدى العراق تشانغ تاو، ملامح العلاقة المقبلة بين بكين وبغداد، والتي اكد انها ستكون مبنية على زيادة التعاون في مختلف المجالات، لاسيما الاقتصادية، التي بين انها حققت طفرات كبيرة خلال العام الماضي، ليبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 30 مليار دولار، وبينما اعرب السفير عن رغبة بلاده الكبيرة في توسيع التعاون وزيادة دعم العراق في شتى المجالات، أكد وجود تسهيلات مقبلة لمنح تأشيرة الدخول الى الصين، مبينا ان السفارة تمنح قرابة 20 الف تأشيرة سنويا للعراقيين.
وعلى الرغم من “الرغبة” الصينية الكبيرة التي عبر عنها السفير، خلال حوار موسع اجرته معه “الصباح” في الانفتاح على العراق في شتى المجالات، غير ان تاو أكد ان حكومته تحرص ايضا على مساعدة العراق في “بناء البنية التحتية” وفقا لاطار الحزام والطريق، ذلك المشروع الذي بلغ عدد المشتركين فيه، وفقا للسفير، 124 دولة، و29 منظمة، ووفر 82 منطقة تجارة حرة، وبلغت استثماراته، 6 ترليونات دولار.
ولم تقف طموحات الحكومة الصينية عند حدود التعاون في المجالات الاقتصادية والتنموية والسياسية، بل تعدتها أكثر من ذلك، لتشمل، بحسب تاو، التعاون في المجالات الثقافية، التي اكد السفير الصيني، انها ستكون المحطة الابرز خلال فترة تواجده في العراق، واعدا بتفعيل ذلك الجانب مع الجهات المختصة العراقية، لافتا الى ان الصين اهدت شبكة الاعلام العراقي، مجموعة من الافلام والمسلسلات الصينية المترجمة الى اللغة العربية، في بادرة تهدف الى تعريف الشعب العراقي بعادات وطباع الشعب الصيني.
 
*التعاون السياسي بين البلدين... كيف ترونه الان؟
- اولا نهنئ العراق بالانتصار العظيم الذي حققه على ارهابيي داعش، وان التواصل بين البلدين يمكن ان يكون قد تأثر بفعل الاعلام المضاد الذي شوه الاوضاع في العراق، وسنعمل على اجراء زيارات على مستوى رفيع بعد ان لاحظنا الاوضاع المستقرة الكبيرة في العراق، وعكس ما كانت تنقله وسائل الاعلام التي شوهت الاوضاع في العراق.
في ما يخص اجراء زيارات رفيعة متبادلة، سوف ادفع بها بكل جهدي، ولاشك ان الزيارات الرسمية المتبادلة تكتسب اهمية كبيرة، كونها ستسهم بدفع التعاون المتبادل.
الحكومة الصينية قدمت في السنوات الاخيرة، مساعدات مالية بقيمة 200 مليون يوان، قرابة 80 مليون دولار، وقد لا يكون المبلغ كبيرا، فان تلك المساعدات كبيرة مقارنة بحجم المساعدات التي تقدمها الصين الى بقية دول العالم، وكذلك نقدم مساعدات اخرى الى العراق عن طريق الامم المتحدة، حيث ستكون هنالك مراسيم لتقديم معدات الى العراق بقيمة 10 ملايين دولار، وكذلك المساعدات شملت المواد الغذائية وتنفيذ مشاريع خدمية كبرى للعراق، وسنتابع بكل حرص تقديم المزيد من المساعدات.
 
*كيف تقيمون العلاقة بين العراق والصين؟
- العلاقات بين البلدين عميقة للغاية...وعلى الصعيد الامني، فان العراق يشهد تحسنا كبيرا، وكذلك الحال بالنسبة للواقع الاقتصادي الذي ينعم بتقدم كبير في شتى المجالات، وعلى الرغم من كل التغييرات فهنالك شيء لم يتغير هو محبة الشعب العراقي للشعب الصيني والعلاقات الطيبة التي تجمع الشعبين الصديقين.
كذلك نولي اهتماما بالغا للتعاون بين البلدين في كافة المجالات، والسبب الرئيس لاستمرار ذلك التعاون هو ان المفهوم الصيني للتنمية مختلف عن المفاهيم الاخرى، والتي تعتمد على التطور الذاتي للبلد، وكذلك نسعى لبناء مصير مشترك مع كافة البلدان الصديقة، وهذه المفاهيم هي اساس متين للتعاون بين العراق والصين.
في السنوات الاخيرة تطورت العلاقات بين بغداد وبكين بشكل ممتاز، حيث شهد العام 2015 اقامة  علاقات الشراكة الستراتيجية، على المستوى السياسي، وهذا يدل على الاهتمام البالغ من قبل قيادة البلدين على تطوير العلاقات الثنائية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، فان تعاون البلدان في هذا المجال يحافظ على زخم جيد، وان حجم التبادل التجاري بين البلدين يزداد ويتطور كثيرا سنويا، وبنسبة 10 بالمئة، حيث تجاوز التبادل الاقتصادي 30 مليار دولار في العام الماضي، وتعتبر الصين اكبر شريك تجاري للعراق، وكذلك يعتبر العراق ثاني اكبر مورد نفطي للصين، ورابع اكبر شريك تجاري للصين في الشرق الاوسط.
 
*ماهي أبرز مجالات التعاون الاقتصادي بين البلدين؟
- العلاقات في هذا الجانب متنوعة جدا، وتشمل العديد من المجالات، والصين تقوم باستيراد النفط الخام، حيث يبلغ حجم استيرادات بكين من النفط الخام قرابة 20 مليار دولار، وكذلك فان العراق يستورد سنويا بقيمة 7 مليارات و 900 مليون بضائع مختلفة، كما تسهم الصين بشكل ايجابي باعادة الاعمار وفي كافة المجالات.
 
*ماهي مجالات الاستثمار الصيني 
في العراق؟
- تتركز الاستثمارات الصينية في العراق بمجالات مختلفة، ابرزها الاستكشافات النفطية، مثلا في حقول ميسان وواسط والبصرة وشرق بغداد، وكذلك في مجالات البنية التحتية، كمحطات الكهرباء ومصانع الاسمنت وكذلك محطات معالجة المياه، وبشكل عام فان الاستثمارات الصينية في العراق حجمها كبير جدا، حيث تتجاوز 20 مليار دولار في مجال النفط. 
ان تاريخ الاستثمارات الصينية في مجال النفط يمتد لسنوات بعيدة، ولا تقتصر تلك الاستثمارات على المستوى الحكومي، حيث ان هنالك شراكات مهمة مع القطاع الخاص العراقي، لاسيما ان تلك الاستثمارات في العراق لن تهتم للكسب المالي فقط، بل ان حكومة بكين تولي اهتماما بالغا للمشاركة في اعادة الاعمار، وكذلك الشركات الصينية تولي اهتماما بالغا لتدريب وتاهيل الكوادر العراقية.
بعد مرور سنوات الحرب والانتصار الكبير الذي حققه العراق على داعش الارهابي، فان الكوادر العراقية باتت تثبت قدرات مهمة بفضل التدريب المستمر، ولدينا نتائج مهمة في مشاريع اعادة الاعمار، وهو ما تؤكده نسب الانجاز التي بلغتها، مثلا محطة كهرباء واسط، التي تسد نسبة كبيرة من حجم احتياجات الطاقة في بغداد.
 
*ماهي طموحات الاستثمارات الصينية 
في العراق؟
- الصين تولي الان اهتماما بالغا بمشاريع البنى التحتية التي لها دور كبير في عملية تحسين الاوضاع الاجتماعية للعراق، والتي تتركز على انشاء مشاريع الكهرباء والاستثمار في الموانىء، وان الشركات الصينية تقوم الان ببناء محطة كهرباء كبيرة في صلاح الدين، وكذلك نسهم بشكل ايجابي ببناء السكك الحديد، حيث قامت احدى شركاتنا ببناء محطة قطار بين النجف وكربلاء.
كما لاحظنا ان الحكومة العراقية تولي اهتماما بالغا ببناء مشاريع القطارات والموانىء، وان الشركات الصينية تولي هي الاخرى اهتماما بالغا ومتابعة مستمرة لتلك الخطط، ووفقا للبرنامج الحكومي للعراق، فان الصين مستعدة لتقديم يد العون للعراق في شتى المجالات.
 
*كيف تقيمون التعاون الثقافي بين البلدين، وهل هنالك مساع لتوسيع ذلك التعاون؟
- الحكومة الصينية توفر حاليا 50 منحة دراسية للعراق سنويا، وهنالك مئات الطلبة العراقيين الان في الصين، يدرسون في مجالات مختلفة، وان بكين ستقوم بتدريب 300 طالب بمختلف الاختصاصات، اذ ان اسس التعاون الودي كانت متينة في مختلف المجالات، والان تسعى بكين لاعادتها الى سابق عهدها، وان مهمتي الان زيادة التعاون في شتى المجالات، سواء الثقافية او العلمية او الاقتصادية.
كنت قبل مجيئي الى بغداد، اسعى لانشاء مكتبة الكترونية، واعمل الان لاختيار جامعات عراقية لتنفيذ هذا المشروع فيها، وعقب انشاء المكتبة تلك، سنقوم باضافة مؤلفات جديدة سنويا في شتى التخصصات، ولن نكتفي بتقديم الكتب الى الجامعات، حيث سنزود الجامعات وبعض المؤسسات بحواسيب الكترونية تحوي مؤلفات مختلفة.
توجد في الصين العديد من المؤلفات باللغة العربية، وسابذلك قصارى جهدي لتوسيع حجم التعاون في هذا المجال، حيث قدمنا مؤخرا العديد من الافلام والمسلسلات الصينية المترجمة للعربية الى شبكة الاعلام العراقي، وهذه المنتجات الفنية ستساعد الشعب العراقي بالتعرف اكثر على الواقع الصيني.
 
*الكثير من المواطنين يشكون من صعوبة الحصول على تأشيرة دخول الصين.. هل من تسهيلات معينة في هذا المجال؟
- سمعت قبل مجيئي الى بغداد الكثير بشأن التاشيرات، والان نقوم بالعمل على تسهيل منح التاشيرات للعراقيين، وحقيقة ان النظام الالكتروني للحصول على التاشيرات يواجه بعض المشاكل، وقد عالجنا تلك المشكلة، ونعمل الان على منح تاشيرات الدخول الى الصين في القنصلية العامة بمدينة اربيل، وقمنا بانفاق 5 ملايين يوان للقنصلية العامة في اربيل.
سنطلق مشاريع جديدة بعد تحول السفارة الصينية الى مكانها الجديد، وسنوسع عمليات منح التاشيرات، حيث نمنح قرابة 20 الف تاشيرة سنويا، معظمها لرجال الاعمال والطلبة، ونسعى خلال الفترات المقبلة لتفعيل التاشيرة السياحية.
 
*اين وصلت الصين بمشروع طريق الحرير.. وماهي مكانة العراق بهذا المشروع؟
- مبادرة الحزام والطريق مهمة للغاية، ولاحظت ان البعض لا يعي تماما ما هو المشروع. 
ان هدف هذا المشروع انشاء منصة تعاون وايجاد ديناميكية للتبادل المشترك بين الدول، وهو بناء مصير مشترك للبشرية يسوده السلام والانفتاح والتسامح.
وان مبادئ المشروع هي “تشارك_ تشاور_ تنافع” ودائما نركز على المشاركة الجمعية لكل الاطراف، والتشاور هو ان كل الاطراف تتبادل وجهات النظر في كل الاشياء وليس الجانب الصيني فقط، وبالنسبة التشارك هو الانطلاق من الظروف الوطنية، والتنافع هو ان كل الاطراف تستطيع الاستفادة من المبادرة. ان المشروع يسهل التعاون في بناء الطرق والسكك الحديد،  ويجب ان ندرك ان هذه المبادرة هي مفهوم، وبعد مرور ست سنوات للمشروع حققت انجازات مثمرة جدا، وان حجم التعاون التجاري بين الصين والدول الواقعة على هذا الخط تجاوز 6 تريليونات دولار، واستثمارات الصينية في هذا الطريق تجاوزت 90 مليار دولار، وبما فيها 15 مليار دولار استثمارات مباشرة مع الدول العربية، وان عقود المشاريع في هذا المشروع تجاوزت الـ600 مليار دولار.
قد انشأنا خلال هذا المشروع 82 منطقة تجارة حرة، وان 124 دولة و29 منظمة وقعت مع الصين اتفاقية تعاون في مشروع الحزام والطريق، والدول المشاركة في بناء الحزام والطريق مستفيدة من تلك المبادرة، حيث وفر المشروع 300 الف فرصة عمل على طول الدول الواقعة على خط الحزام والطريق، ودفعنا ضرائب بلغت قرابة ملياري دولار.
يعمل المشروع كذلك على تعزيز الترابط في مجالات البنية التحتية، حيث قمنا بانشاء ميناء الصداقة في موريتانيا ومنطقة تجارية حرة في مصر، وفتحنا قطارات بين الصين واوربا وبفضل تلك القطارات سيتم ربط منطقة شرق اسيا والشرق الاوسط واوروبا. بالنسبة للعراق، السكك الحديد لم تشارك في هذه الشبكة لغاية الان، وان عدد القطارات العاملة بين الصين واوروبا بلغ 14 الف قطار، وتسهم بشكل كبير بدفع التجارة والنقل، وهناك 11 خطا، وتمر بـ44 دولة.
العراق يعتبر من اوائل الدول العربية التي تتابع مشروع الحزام والطريق، ووقع العراق عام 2015 اتفاق تعاون في هذا الاطار، ومن خلال تعزيز التعاون في هذا المشروع يمكن تحقيق خمس نقاط مهمة، الاولى تناسق بين السياسات، وعلى سبيل المثال وقع العراق اتفاقية في هذا المجال مع الصين، نستطيع من خلالها التقدم في شتى المجالات، ثانيا هو ترابط المرافق في البنية التحتية، وفي هذا المجال، تحرص الصين على مساعدة العراق في بناء البنية التحتية وفقا لاطار الحزام والطريق، ولن يقتصر ترابط المرافق على الجوانب البحرية والبرية، بل يمتد الى شبكة الانترنت، حيث انتهت الصين الان من الترابط التجاري الالكتروني مع 17 دولة، وارى ضرورة ان يشارك العراق في هذا المرفق الاقتصاي الجديد الهام، وهو يعد “طريق الحزام في الانترنت”.
ثالثا هو تواصل الاعمال بين العراق والصين، وبشان مشروع ميناء الفاو، يقوم الجانب الصيني بالاتصال لانشاء منطقة للتعاون الاقتصادي، رابعا هو تداول الاموال، وقد انشأنا مؤسستين رئيسيتين الاولى هي البنك الاسيوي للاستثمارات في البنية التحتية براس مال سيصل الى 100 مليار دولار، وتشارك فيه حتى الان 90 دولة، وارى ضرورة مشاركة العراق والانضمام فيه، والصين ترحب بانضمام العراق في هذا البنك، وهنالك 26 مشروعا في ادارة هذا البنك، وحجم المشاريع يتجاوز 4 مليارات و 200 مليون دولار، والمؤسسة الثانية هي صندوق طريق الحرير وحجم راسمال هذا المشروع سيتجاوز 40 مليار دولار، وهو يركز على تنفيذ 19 مشروعا، وان كل حكومة يمكن ان تقدم طلبا للانضمام الى كلا المشروعين.
يجب على الجانب العراقي الدفع باتجاه الانضمام الى المشروعا، خامسا هو تفاهم الشعوب، واهمية تعزيز التواصل والتبادل الذي يساعد على التعارف بين الشعوب المختلفة، ونعتقد ان العراق يتمتع بموقع ستراتيجي مهم جدا، لاسيما في مشروع الحزام والطرق، وارى اهمية ان يتم تفعيل التعاون في تلك المجالات، لاسيما ان التعاون العملي بين البلدين يمر بمرحلة جيدة جدا.