بين الأمل والإلهاء

آراء 2023/08/31
...


 نرمين المفتي

لم يدر بخلد نعوم تشومسكي (اللغوي والفيلسوف والكاتب والناشط السياسي الامريكي المعروف) وهو يحدد عشر ستراتيجيات للسيطرة على الشعوب، أن هناك حكومات ستعتبرها دستورا لعملها للامساك بمقدرات بلدانها وشعوبها والسيطرة عليها، ومن ثم التحكم بهم، بينما كان يعتقد بأنه أشار اليها لتنبيه الشعوب ليكونوا بمعرفة مسبقة مما يجري، وعدم فسح اي مجال للتحكم بها ضد مصالحها العامة لأجل مصالح فئة صغيرة، يبدو انها مستمتعة بالسلطة والجاه ولا تفكر بتحسين ادائها. والستراتيجيات العشر هي: الإلهاء، ابتكار المشكلات وتقديم الحلول، التدرجية، الانصياع، معاملة الشعب كأنهم أطفال، ابقاء الشعب جاهلا، تشجيع الناس على الرضا عن جهلهم، ترسيخ لوم النفس في عقول المواطنين ومعرفة الشعب أكثر ما يعرفه عن نفسه.
وبقراءة عراقية لبعض هذه الستراتيجيات، سنلاحظ ان المواطن يلمس بعضها ويرددها كلما واجهته أزمة عامة جديدة وقبل ان تنتهي الأزمة التي كانت قبلها ويردد جملة نعرفها جميعا «أنها ازمات مبتكرة كي نلتهي بها عما يجري».. وللمثال وليس الحصر أزمة الكهرباء التي تشتد مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، وأزمة وقود السيارات، التي تتزامن معها اللتين جعلت المواطن يتوقف عن الاشارة إلى سعر ارتفاع صرف الدولار.. وللإنصاف، وقبل ان يقرر تشومسكي كتابة الستراتيجيات بعد دراسته لتجارب حكومية عدة من خلال الاعلام في دول عديدة وبضمنها الولايات المتحدة الامريكية، فإن المواطن العراقي ولعقود عدة يردد بأن ما يواجهه من مصاعب يومية انما أوجدوها لإلهائه.
وحين تطبيق الحكومات لهذه الستراتيجيات، كل حكومة تركز على واحدة منها دون غيرها، وطبعا مع تطبيق البقية ايضا ولكن بشدة اقل، لعلمها أن النقطة التي تركز عليها ستأتي بالنتائج كما ترغب بها أو كما تخطط لها.
اذن، هذه الحكومات ونستطيع مثل تشومسكي أن نقرأ من خلال إعلامها وخاصة الفاشلة أو الفاسدة أو المتلكئة، انها تعرف التخطيط باللا تخطيط. واقف عند ستراتيجية الإلهاء، التي ترجمها موقع (بالعربية) وهي «تعتبر ستراتيجية الإلهاء من أهم الستراتيجيات في سياسة التحكم، فهي التي تُلهي وتُلفت اهتمام الشعب عن المشكلات والتغييرات المهمة المقترَحة من طرف السياسيين والاقتصاديين النخب، ويتم ذلك باستعمال تقنيات إغمار واكتساح الإعلام بشكل دائم ومستمر بكل ما يصرف الانتباه وبأي معلومات تافهة ومبتذلة، فيصبح العقل نتيجة لذلك أكثر خضوعا وأقل ميولا إلى النقد. ويعتبر الإلهاء ستراتيجية أساسية في منع الشعب من الاهتمام بالعلوم، الإقتصاد، علم النفس، علم الأعصاب، علم التحكم الآلي. وليس من الغريب أن نرى أن الإعلام اليوم (يوتيوب وفيسبوك مثلا) أصبح منصة كبيرة لنشر الفضائح وفيديوهات الضحك وحقيقة فلان وكذبة فلان …الخ، بينما لا تَلقَى الفيديوهات والمنشورات التعليمية والتثقيفية أي اهتمام أو تفاعل كبير من طرف العامة». وتعرف الحكومات كلها ومن بينها الولايات المتحدة، كيف تُسير الاعلام الرسمي وشبه الرسمي والخاص ليس نحو الهاء مواطنيها فقط، انما لتطبيق الستراتيجيات كلها.. ولكن تشومسكي لم يذكر ستراتيجية اخرى نلمسها دائما وهي (الامل)، من خلال الوعود وتصريحات متكررة ليستمر المواطن يغض نظره عما يجري حوله متأملًا تحقيق وإن  كان وعدا واحدا، ليستمر بين سندان الامل ومطرقة الإلهاء.