حسن عودة الماجدي
الحقيقة تقول إنّ لكل شيء ظاهر وباطن، جوهرا ومخبرا، شكلا ومضمونا، وفي الاغلب فإن الشكل يدل على المضمون، والظاهر هو طريقك إلى الباطن، والجّوهر هو القيمة الحقيقية التي يوصلنا اليها المخبر، والنّهضة الحسينية لا تختلف عن هذه القاعدة، فنحن في كل عام نستذكر الأحداث الأليمة، التي مرّت بالإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه وكيف قتلوا وكيف سبيت النساء وأدخلوهن على مجالس اللّعناء وأبناء اللّعناء في مشهد يدمي الفؤاد ويملأ القلب حسرةً وحزناً على عائلة الرسول الأكرم (ص)، وماجرى عليهم من مصائب وأحداث يشيب لها الرضيع، وقد يأتي استذكارنا للفاجعة الأليمة بطرق مختلفة في إقامة المراسيم الحزينة والمراثي المتعارف عليها بيننا، وهذا في حد ذاته أجر وثواب، وكذلك صوت إعلامي يفضح جريمة آل سفيان وطواغيتهم مرّ الدهور والعصور، فالذي جرى في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام ماهو الا ظاهر النّهضة الحسينية واستذكارنا لتلك الاحداث هو استذكار لظاهرالنّهضة الحسينية وجوهرها ومضمونها، أمّا باطنها فهو الإصلاح الشامل، ورسالة الإصلاح هي رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) التي من أجلها ثار ونهض وقدم نفسه وأهله وأصحابه فداءً، من أجل تحقيق الإصلاح الشامل في الأمة، وقد أعلن الهدف المنشود من ثورته:( إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رَدَّ عليَّ هذا أصبر، حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين).
وبهذه الكلمات البليغة أوضح الإمام الحسين (عليه السلام) الهدف من ثورتــه، وهو السـّـعي من أجل تحقيق الإصلاح في الأمة، وليس لتحقيق المصالح الشّخصية، أو السّعي من أجل استلام السّلطة، إذ كان الإمام يعلم بأنه سيقتل في المعركة؛ ومن هنا تبرز عظمة الإمام، حيث إنه ضحى بنفسه وبأهله من أجل تحقيق الأهداف السامية المتلخصة في الإصلاح الشامل، والقضاء على الفساد السّياسي، ونشر القيم والمبادئ والمثل العليا.
إن من أهم الدّروس التي يجب أن نتعلمها من نهضة الإمام هو الاستعداد لتقديم كل غال ونفيس من أجل إصلاح الأمة، فالإصلاح لا يمكن تحقيقه بالأماني والأحلام، وإنما يحتاج إلى إرادة وعزيمة وعمل دائم ونشاط مستمر واستعداد للتضحية بمختلف أشكالها، من أجل الوصول إلى إصلاح ركيزة الدين والدنيا. والإصلاح هو ضد الفساد والافساد، اذ إنّ الأخير قد أحكم قبضته في الوقت الراهن على مختلف المجالات والصّعد المهمّة بدءاً من الجانب الديني العقائدي، ثم الأخلاقي والسلوك والتصرف، الذي يجافي حقيقة الإصلاح للمفهوم الحسيني، ومن هنا ونحن نعيش أيام الحزن يتوجب إصلاح ذاتنا أولاً تهذيباً ونكراناً للنفس الأمّارة بالسّوء، خصوصاً ما يتعلق بالممارسات للشعائر الحسينية، فلا نفعل فعلاً يحط من ثورة الإصلاح الكبرى، كالغلو والضعف الخطابي، بل نجعل من الثورة الحسينية الكبرى، العبق الزكي لها الذي ستنهل الأمم والأفراد من كينونة تجسيده على الفرد والأمة، أمّا : التحديات الأخرى في هذا المضمار فهي عديدة، أهمها يكمن في استيعاب العبر التي ما زالت معدومةً، فضلاً عن أنّ شحذ الهمم على استنطاقها كسلوك ومنهج دون المستوى المطلوب، وأما التحدي الأسوأ في الوقت الراهن، فيتمثل بشيوع الفساد العارم والخراب المتعمد وغياب الإصلاح في أمة دون الرادع الإصلاحي للثورة
الحسينية.