مزايا وعيوب التسجيل البايومتري
القاضي قاسم العبودي
تناولنا مفهوم التسجيل البايومتري من حيث استخدام التكنولوجيا في مراكز الاقتراع، لغرض التأكد من صحة وثائق الناخب وتدقيقها عن طريق توفر أجهزة الحاسوب وبرمجياتها، في كل مركز من مراكز الاقتراع، وطباعة بطاقة خاصة بالناخب تتضمن معلوماته الشخصية، وكذلك صورته وبياناته الحيوية (البايومترية).
وكانت أهم مبررات مفوضية الانتخابات لتبني التسجيل البايومتري هي:
1 - منع تكرار التصويت.
2 - سهولة استدلال الناخب على محل تصويته من مركز اقتراع ورقم المحطة.
3 - سهولة تدقيق البيانات الخاصة بالناخبين، من قبل كادر المفوضية داخل المحطات باستخدام الحاسوب وبرمجياته بالإضافة إلى عُدة التحقق.
4 - الاستغناء عن السجل الورقي، الذي يعتمد على قاعدة بيانات وزارة التجارة، والذي اُعد خصيصا لتوزيع مفردات البطاقة التموينية على الاُسر. وعند استخدامه كسجل للناخبين لظهر عدد من العيوب أهمها:
- عدم وجود أسماء أرباب الأسر في سجل المحطة.
- ظهور أسماء ارباب الأسر في التسلسل الأبجدي في المكان الخطأ.
- وجود اسم الناخب في سجل المركز وعدم وجوده في سجل المحطة.
- صعوبة انسجام سجل الناخبين العام مع تصويت القوات الأمنية (أو ما يُعرف بالتصويت الخاص).
- تداخل المنتفعين من البطاقة التموينية بين الأقضية و النواحي وبين المحافظات.
5 - زيادة الثقة بإجراءات المفوضية مما يعطي قناعة لدى جمهور الناخبين بنزاهة وشفافية العملية الانتخابي.
اما عيوب التسجيل البايومتري
بالإضافة إلى التكلفة الباهظة لطباعة السجل البايومتري واستمرار عملية التعاقد مع كل عملية انتخابية، والذي أدى بدوره إلى زيادة كلفة الناخب لم يحقق التسجيل البايومتري كثيرا من الاغراض المرجوة منه، بل إنه خلق مشكلات جديدة للعملية الانتخابية أبرزها:
- حرمان عدد كبير من الناخبين من المشاركة في الانتخابات التي جرت في 10 -10-2021 حيث بلغ عدد المحرومين من التصويت حوالي ثمانية ملايين ناخب، وذلك لعدم امتلاكهم البطاقة البايومترية المحدثة، وقد أعيد تعريف الناخب وفقاً لإجراءات المفوضية التي انسحبت على القانون وفق للفقرة رابعاً للمادة 5 من القانون رقم 9 لسنة 2020: (يشترط في الناخب ان يكون مسجلا في سجل الناخبين، وفقاً لأحكام هذا القانون والانظمة والاجراءات التي تصدرها المفوضية ولديه بطاقة ناخب الكترونية مع ابراز أحد المستمسكات الرسمية الثلاثة هوية الاحوال أو البطاقة الموحدة أو شهادة الجنسية العراقية)، علماً أن المفوضية عند اعلانها نسبة المشاركة في تلك الانتخابات اعتمدت النسبة بلحاظ الناخبين المحدثين فقط وليس بلحاظ عموم الناخبين! وهو ما اعطى مؤشرات غير حقيقة عن نسب المشاركة.
ووفقاً لاعلان المفوضية في سياق استعداداتها لإجراء انتخابات مجالس المحافظات المزمع إجراؤها في نهاية العام الجاري، فإن نسبة الناخبين الذين لن يحق لهم التصويت بسبب اجراءات المفوضية هذه سيصل إلى نسبة 40 % من مجمل الناخبين، وهذه نسبة كبيرة جداً، وتعد مخالفة واضحة للمعايير الدولية، التي تقضي بالسماح لجميع الناخبين دون تمييز أو تعقيد بالإجراء. علما أن القانون ألزم المفوضية بتحديث بيانات الناخبين بايومترياً عن طريق فرق جوالة والاستعانة بجميع مؤسسات الدولة لتحقيق هذا الغرض ( تلتزم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بتسجيل المواطنين، الذي تنطبق عليهم شروط التسجيل في سجل الناخبين بايومتريا عبر فرق جوالة، وبالتعاون مع وزارة التربية ووزارة التربية في اقليم كردستان، وخصوصا في وقت عطلة نصف السنة ونهاية السنة الدراسية وكذلك ايام العطل الاسبوعية)
م/ 49 من القانون.
والظاهرة الاخطر التي رافقت عملية التسجيل البايومتري هي العزوف الواضح عن التسجيل البايومتري للمواليد الجديدة، حيث لم تتجاوز نسبة التحديث لبيانات تلك المواليد عن 30 % وهو ما ينذر بتناقص تدريجي خطير باعداد الناخبين
الشباب.
- إن فشل قارئ البطاقة في قراءة بيانات بطاقة الناخب في كثير من المحطات، دفع المفوضية لاتخاذ اجراء لحل هذه المشكلة عن طريق إعطاء ايعاز إلى الجهاز بتخطي تلك الاجراءات بنسب معينة بلغت في انتخابات مجلس النواب لعام 2018 نسبة 15 % وهي نسبة كبيرة جدا. ويقصد بالتخطي إدخال اي بطاقة تابعة للمحطة في الجهاز، بمجرد الحصول على الرقم التسلسلي للبطاقة، ودون حاجة إلى وجود الناخب، بل يمكن ذلك ايضا عن طريق الهاتف، مما وفر بيئة خصبة لبعض المرشحين النافذين لاستغلال هذه الثغرة، وهو ما شاع من شراء بعض المرشحين لبطاقات ناخبين والتواطؤ مع موظفي بعض المحطات، بهدف ادخال البيانات يدوياً والتصويت بالنيابة عنهم، وهو ما دفع المشرع إلى تخفيض هذه النسبة إلى 5 % في قانون انتخابات رقم 9 لسنة 2020.
- وقعت المفوضية بخطأ كبير عندما وضعت جميع بيانات الناخب على وجه البطاقة، وبالتالي فان أي تغيير في بيانات الناخب، من قبيل تغيير المحافظة أو مركز التسجيل أو مركز الاقتراع، يعني عدم فائدة البطاقة وانتفاء الغرض منها، وهو ما دفع المفوضية إلى اصدار تعليمات بسحب بطاقة الناخبين الذين يقومون بعملية تصحيح الاسم، أو تغيير المحافظة، أو مركز التسجيل، أثناء عملية التسجيل البايومتري، وكان الإجراء الأفضل أن تقوم المفوضية بطباعة البيانات الثابتة (اسم الناخب رقم الناخب ظاهريا على بطاقة الناخب وتخزين جميع البيانات المتغيرة للناخب (المحافظة، مركز التسجيل مركز الاقتراع المحطة) في السيم كارت - الشريحة الإلكترونية).
- إن من اهم تأثيرات استخدام بطاقة الناخب في انتخابات مجلس النواب 2014 هي استثمار بعض المرشحين النافذين هذا المشروع لمصلحة حملاتهم الانتخابية، فقد نقلت وسائل الإعلام المختلفة صوراً وأفلاماً لمرشحين، وهم يجمعون بطاقات الناخبين في أثناء حملاتهم الانتخابية، ويقومون بتدوينها وتصويرها مقابل خدمات أو وعود، وقد أعطى ذلك إيحاءً لأولئك الناخبين بالتزامهم بالتصويت لهؤلاء المرشحين لاعتقادهم ان اقتراعهم سيكون مكشوفاً لهؤلاء المرشحين، وبالفعل نجح هؤلاء في الفوز بالانتخاب، والحصول على أصوات تؤهلهم لدخول مجلس النواب، وللانصاف فإن انتخابات مجلس النواب التي جرت في 10 -10- 2021 لم تشهد تكرار هذه الظاهرة.
- قراءة الرمز السري ( QR ) لورقة الاقتراع من قبل جهاز التحقق عند تسليمها للناخب، جعل حالة من الخوف تنتاب الناخبين عن انتفاء سرية التصويت ومعرفة اختياراتهم للمرشحين، حيث ظن الناخبون أن هنالك ترابطاً بين ساعة دخولهم لمحطة الاقتراع وقراءة بطاقة الناخب مما يفصح عن تصويتهم وشاع هذا الأمر حتى بين موظفي
المفوضية.
ونكرر ما طرحناه سابقاً أن استخدام اي تكنولوجيا (منخفضة أو متوسطة، أو متقدمة)، لا تتمكن هيئة إدارة الانتخابات من امتلاكها وتشغيلها وصيانتها وتوسيعها بشكل كامل على المدى المتوسط، تعد تكنولوجيا غير ملائمة، وإذا كانت الخبرة الفنية الدولية أمراً أساسياً لاستمرار استخدام تكنولوجيا ما فلا يمكن أن تكون هناك استدامة (أي صيانة محلية)، وهذه الرسالة دقيقة، سواء أكانت الخبرة مقدمة من قبل مورّد أم من قبل شريك إنمائي، مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أو المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية أو غيرهم.