فلسفة التوارث

آراء 2019/05/05
...

حسين الذكر
 

صديقي ( عماد ) غادر العراق لاجئا الى اوروبا من هول الفوضى والاجندات والاحتقان الطائفي وتبعاته الفجيعة التي وان تخلصنا منها لكن بعض نتاجاتها ومخرجاتها عششت بمفاصل مؤسسات الدولة بعناوين براقة ..

 لتهدم وتسرق الشعب وتستبيح الوطن ..... ثم استقرت وتنفذت وتملكت العمارات والمولات والمحطات .. واستحوذت على المناصب ودرجاتها الكبرى والصغرى .. حتى الاجر اليومي والعقد نافسوا الفقراء عليه واستغلوهم 
فيه ..
نسيت صديقي ردحا ، حتى التقيته قبل مدة ، فرحنا ببعض وتمنيت له السلامة ، فقال : ( تركت اسرتي بالغربة ، جئت استطلع الوضع لعلي اجد سكنا وعملا كريما كي نعود لنعيش بكنف بلدنا الذي ولدنا وترعرعنا وضحينا من 
اجله ) ..
 بعد ستة اشهر التقيته مصادفة .. كنت تصورت انه سافر ، فقال ( لم اذهب وما زالت ابحث عن ضالتي ، وقد عجزت .. بعد ان افرغت الدولة للبعض على حساب الشعب ) .. فقلت : وما انت صانع ؟ ، فقال : (  حيرة حقيقية .. الغرب برغم الاحتضان ، نعيش به اغتراب موجع .. هنا لم يبق لنا شيء وقد فسدت الأشياء حتى اختلط الأسود والأبيض .. ) ..
ذهبت الى أبو الحصة التموينية لأتسلم ما تبقي منها ، فسمعت من شكاوى الناس حد العجب في بلد 
العجائب .. 
قال احدهم : ( حجبوا ابني ، بلا سبب وعلي ان ادفع واتوسل 
وانتظر ) .
قال آخر : ( منذ ثلاث سنوات لم يضيفوا وليدين جديدين ، علي ان اروج معالمة وادفع وانتظر اشهر أخرى ) ..
قال اخر : ( لا ندري ما هي حصتنا : دهن هذا الشهر ، سكر قبل ثلاث اشهر ، عدس العام وطحين الشهر الماضي ... وهكذا يتيه المواطن المسكين ) . 
كنت شاهدته كثيرا من قبل ، فقد جاوز عمره الستين وما زال يبيع الشاي متجولا حتى احدودب ظهره .. سالته عن حاله فقال : ( مواليدي الخمسينيات ، خدمت الجيش من شبابي حتى شاب راسي ، لم اتسرح الا بعد ان هد حيلي ومرضت نفسي ويئست روحي – الا من رحمة ربي – وكثر عيالي وقلت حيلتي ، فقد سقت كالاغنام الى محرقة الموت ، لم يتسن لي إتمام الدراسة ولا التوظيف ، فمن حرب الى حرب ومن حصار الى أزمات مفتعلة ومن ضيم الى ضيم .. حتى انتظرنا فرج 2003 الذي تبين بانه لا يختلف عن سابقه الا ببعض الشكليات الطفيفة والاطارات الخادعة والتطبيلات الرنانة .. فالاستئثار والظلم والفساد واحد ...) . 
فيما كنا نقلب صفحات الهم العراقي غير المنتهي تعالى صخب النقاش بعد انضمام صديقي عماد ، وكذلك الحمال والبقال ... وبقية قوى الشعب المنهوك والمسروق والمخدوع وتجمعوا عند (أبو الشاي) الذي بكى من شدة هول الحوار ثم انتحب عماد لحيرته .. ثم تصاعدت النبرات وعلت الأصوات كل يغني على ليلاه ... قال سائق الكية : ( والله مللنا المطاردة من نقابة وضريبة ومرور وشوارع خربة مزدحمة وحوادث متكررة ودراجات مزعجة ) ..ثم انضم الحمال شاكيا فقال : ( قضينا العمر نتوارث الفقر بلا بيت بلا تقاعد وتحت رحمة الاستغلال الدائم) . .. بعد الدمع والشد استرخى الجميع على وقع نشيج ونشيد دافع العربة .. الذي قاطعه أبو الشاي قائلا .. ( انت حلمان اكثر مما يلزم .. اذا اعطونا البيت والتقاعد والأمان .. ولم يختلقوا الازمات .. لخربت دنياهم وهدمت تيجانهم  البريمرية التي ما زالوا بها يتسمكون 
ويتوارثون).