بين سيمنس وجنرال اليكتريك

آراء 2019/05/05
...

محمد شريف أبو ميسم 
 

حدثني خبير في قطاع الكهرباء “ان كلفة توليد ألف ميكاواط تبلغ مليار دولار بضمنها بناء المحطات وشبكات التوزيع وشراء أغلى انواع الوقود”، وربما كان صديقي الخبير غير دقيق في كلامه، ولنجعل الكلفة ملياري دولار لكل ألف ميكا واط، وأترك للقارئ احتساب امكانية انتاج 25 ألف ميكاواط تغرق البلاد بالطاقة الكهربائية، وتجنب العباد انفاق ملايين الدنانير للحصول على أسوء خدمة كهربائية من المولدات الأهلية.
ليس هذا وحسب، اذ كان يمكن ان نتجنب خروج نحو 40 ألف من المشاريع الصغيرة والمتوسطة من العمل لتتحول الى مخازن للسلع المستوردة! ونتجنب أيضا تسريح أفواج العاملين الى سوق العاطلين، وتحويل البلاد الى سوق استهلاكية للسلع الرديئة المستوردة، وبالتالي نتجنب استنزاف مدخولات الناس والحد من تدفق العملة الصعبة الى الخارج بدعوى تمويل التجارة
 الخارجية.
بيد ان جلد الذات لا يجدي نفعا ازاء أمر ولى، ومن المهم هو توظيف نتائج التجربة حيال المستقبل الذي يبشر بواقع جديد ستشهده البلاد بعد التوقيع مع شركة “سيمنس” العملاقة على اتفاق تنفيذي لخارطة طريق من أجل إعادة تأسيس شامل لقطاع الكهرباء في البلاد. وسيمنس هذه شركة ألمانية يصل الحجم السنوي لاعمالها الى نحو عشرة مليارات يورو ولها مكاتب للبيع والتسويق في 192 دولة، وبحسب ما قيل، فانها “في وضع يؤهلها للفوز بمعظم طلبيات قطاع الكهرباء في البلاد البالغة 14 مليار دولار”. وهنا نستحضر تصريحا لرئيسها التنفيذي “جو كيرز” في مقابلة أجرتها معه قناة DW الألمانية في تشرين الثاني الماضي بعد توقيع وزير الكهرباء السابق قاسم الفهداوي مذكرة التفاهم معها، قال فيه، إن الرئيس الأمريكي ترامب لعب دورا في محاولة عرقلة اتفاق الشركة مع الحكومة العراقية والدفع باتجاه منح الصفقة بالكامل لشركة جنرال إلكتريك الأمريكية، مؤكدا ان “هنالك قوى غير عادية تدخلت في الصفقة” فيما ألمح مسؤولون عراقيون حينها، إنهم تعرضوا لضغوط كبيرة من الحكومة الأمريكية لإعطاء الأفضلية لجنرال إلكتريك. ما يعني ان قطاع الكهرباء في بلادنا كان في موضع أعد للمنافسة التي حسمت لصالح “سيمنس” على حساب جنرال الكتريك. بيد ان اللافت هنا ونحن في موضع كهذا، قول المدير التنفيذي لسيمنس “جو كيرز” لقناة DW “ نحن نعد أيضا شركة أمريكية”. اذ تتمتع سيمنس بقوة هائلة في الولايات المتحدة حيث تقوم بتوظيف 60 ألف شخص وتخلق 150 ألف وظيفة أخرى بشكل غير مباشر بحسب “كيرز”. 
من هنا يكون لنا الحق أن نراجع أنفسنا ازاء ماحصل وسيحصل لتجنب الوقوع بالأخطاء مرة أخرى، ونتساءل “هل ان قطاع الكهرباء في العراق كان معداً سلفا ليخضع الى تأسيس شامل على يد شركات العولمة؟” بمعنى هل ان التعويق والشلل الذي أصاب الحياة والانفاق هدرا على هذا القطاع الذي تخطى نحو خمسين مليار دولار خلال السنوات الست عشرة الماضية كان جزءاً من مرحلة تاسيس يراد بها القبول بالحلول الجاهزة التي ستأتي بها شركات
 العولمة؟