زوجات {داعش».. الدور والمصير

بانوراما 2019/05/05
...


نبيه بولص  ترجمة: انيس الصفار   
 
 
 
تركت آلاف النساء الاجنبيات مواطنهن والحياة التي كنّ يحيينها للالتحاق بما كان يطلق عليه اسم “الدولة الاسلامية” والزواج من مقاتليها، بيد أن كثيرات منهن اليوم، بعد ان استحالت “خلافة” الجماعة الارهابية الى اكوام من الركام والحطام وقطع متناثرة من حديد التسليح المحترق، صرن يرغبن في العودة الى أوطانهن.
كانت “شميمة بيغام” فتاة مراهقة تدرس في احدى مدارس شرق لندن عندما تركت منزلها كي تلتحق بتنظيم “داعش”، وكذلك كانت “هدى مثنى” طالبة جامعية مولودة في ولاية ألباما، كما أن “كمبرلي غوين بولمان” كانت أماً كندية الجنسية عمرها 46 عاماً تواصل الدراسة لكي تصبح مستشارة أطفال. لكن هؤلاء النساء اليوم محتجزات ضمن سجن يشرف عليه الكرد في بعض مناطق شرق سوريا، وهن يطالبن بالعودة الى بلدانهن الاصلية.
أمثال هؤلاء النساء، اولئك اللائي تطلق عليهن تسمية “عرائس داعش”، اصبحن الان محوراً لنقاشات حامية بين مختلف حكومات دول العالم، والسؤال الصعب هو: ما هي المسؤوليات التي على الدول المعنية تحملها تجاه هؤلاء النسوة؟.
في صميم هذا السؤال تكمن النقطة المثيرة للجدل: ترى ما الذي اقترفته هؤلاء النساء بالضبط عندما كن ضمن سيطرة الخلافة؟ هل كن ربات بيوت مصونات جاهلات بحقيقة التنظيم، أم كن جزءا من المشاركات النشطات في كل ما ارتكبه التنظيم من اعمال الابادة الجماعية؟.
 
البداية من الهجرة
حين اعلنت “داعش” قيام خلافتها في العام 2014 دعت “كل مسلم قادر الى الهجرة والمشاركة بأعمال الجهاد أو النضال لإبلاغ قضيتها. في بادئ الأمر لم تتضمن تلك الدعوة الانضمام الى أعمال القتال، كما يقول “شارلي ونتر” الباحث الاقدم من مركز دراسات التطرف الدولي التابع لكلية كنغز بلندن.
يقول ونتر: “الدور النموذجي للمرأة المسلمة هو ان تكون زوجة وتنجب الاطفال، ولكنهن من خلال دورهن كزوجات وامهات يشاركن مشاركة مباشرة بالجهاد لأنهن ينشئن الجيل الآتي من المقاتلين.”
حين كانت “داعش” تشن ما يسمى “الجهاد الهجومي” – وهي الحملات الخاطفة التي أتاحت للتنظيم فرض هيمنته على ثلث مساحتي العراق وسوريا - كان دور النساء، كما توضح احدى زوجات “داعش”، هو ان يصبحن “المأوى والسند” لأزواجهن وآبائهن وابنائهن.
خلال مقابلة مع المجلة التي كانت تصدرها ما تسمى “الدولة الاسلامية” قدمت “حياة بومدين” أرملة “آميدي كوليبالي”، وهو المسلح الفرنسي الذي قتل خمسة اشخاص مطلع كانون الثاني 2015، نصيحة لزوجات المقاتلين الاخرين. قالت لهن: “كن لهم ناصحات، يجب أن يجدوا الراحة والامان عندكن، ولا تجعلن الامور صعبة عليهم، بل عليكن تسهيل شؤون حياتهم عليهم.”
مثل زوجها، ولدت “بومدين” في فرنسا، وهي الى الان مطلقة السراح ومطلوبة للسلطات الفرنسية.
تقول “ديفورا مارغولين”، محللة الابحاث  من قسم دراسات الحرب في كلية كنغز بلندن، إن النساء كن أكثر مساهمة ضمن الأدوار العملياتية خلال الهجمات الانتحارية التي نفذت خارج مناطق “داعش”، ولكن معظم النساء اللائي “شددن الرحال الى أرض الخلافة” بنيّة التوجه الى ميادين القتال لم يتمكن من فعل ذلك. هذا الوضع أخذ يتغير بدرجة ما عندما بدأت الجماعة تخسر الارض ويتساقط كثير من مسلحيها صرعى. هنا تحول التنظيم الى شن ما اسماه “الجهاد الدفاعي”.
يقول ونتر: “بحلول العامين 2017 و2018 أخذ التنظيم يستبق الاحداث بدعوة النساء الى أخذ دورهن في المعارك ايضاً.” بيد ان الادلة قليلة على انهن استجبن لتلك الدعوة بأعداد كبيرة.
يمضي ونتر مبيناً ان بعض الشائعات تحدثت عن نساء يتلقين التدريب على استخدام السلاح والمتفجرات، ولكن “داعش” لم تؤكد تلك التقارير ابداً.
كذلك كانت هناك توقعات بأن النساء سوف يضطلعن بدور أكبر في التفجيرات الانتحارية لأنهن يستطعن النفوذ بسهولة نسبياً عبر نقاط التفتيش مع إبقاء وجوههن مستترة تحت ثيابهن. 
ثمة سوابق تؤيد أن النساء شاركن فعلاً بالعمليات. فخلال العام 2005 أرسل أبو مصعب الزرقاوي، وهو الاب الروحي لتنظيم “داعش” “ساجدة الريشاوي” بعد تسليحها بسترة معبأة بالمتفجرات الى فندق راديسون في العاصمة الاردنية عمّان. وأخفقت ساجدة بتفجير القنبلة التي تحملها وألقت السلطات الاردنية القبض عليها ولكن قنبلة زوجها انفجرت وسببت مقتل 38 شخصاً.
 
منتسبات الشرطة الدينية
كانت قوة الشرطة التابعة لتنظيم “داعش” المعروفة باسم “الحسبة”، تطوف المناطق الخاضعة لها للتحقق من انصياع جميع السكان للتعاليم الصارمة التي تصدرها داعش، وكل من يعثر عليه مخالفاً كان يواجه عقوبة السجن او الجلد أو قطع الاطراف. كانت هناك أيضاً قوة من الشرطة جميع عناصرها من النساء يطلق عليها اسم “لواء الخنساء”، وهي جزء لا يتجزأ من جهاز الحسبة.
يقول “سعد العبيدي” الذي يملك صالوناً للتجميل في مدينة الموصل يديره مع زوجته: “لقد رأينا نساء يعملن ضمن جهاز الحسبة، وكن مسلحات. كانت العراقيات منهن يحملن المسدسات، ولكن الاجنبيات كن مسلحات بالغدارات.”
 
النساء والحرب الدعائية
ربما لم تقاتل النساء على ساحات المعارك، ولكنهن كن نشطات في مساعدة “داعش” على بث رسالتها.
كتبت مارغولين تقريراً لبرنامج التطرف الى جامعة جورج واشنطن تناولت من خلاله دور النساء عبر العنف الذي مارسته مختلف الجماعات الموصوفة بالاسلامية. وأشار ذلك التقرير الى أن النساء كن ركناً مهماً للغاية ضمن عموم الماكنة الاعلامية التي روجت لعملية بناء الدولة الداعشية، وأنهن كن من أنشط مجندي التنظيم على شبكة الانترنت.
عبر الحسابات المنسوبة اليهن على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى صفحات المدونات دأبت هؤلاء النسوة المرتبطات بتنظيم “داعش” على بث صور حياتهن اليومية وكأنهن يعشن حلم المدينة الاسلامية الفاضلة، ويشجعن الاخريات على الهجرة الى “أرض الخلافة”. بعض النساء الملتحقات بداعش كن يقدمن ارشادات عن كيفية تجنب افتضاح امرهن أمام الآخرين او انكشاف انهن يحاولن الوصول الى سوريا للالتحاق بأرض “الدولة الاسلامية”، بينما تمضي أخريات لتعرض ما ينبغي على المرأة أخذه معها عند حزم الامتعة مما قد تتطلبه الحياة داخل “دولة الخلافة” (مثل مواد الزينة والثياب الاسلامية) أو يقدمن تفاصيل تتعلق بكيفية تخصيص الجماعة أماكن السكن للمقاتلين
 والنساء.
بعضهن كن يعبرن عن الفرح ويشدن، مهللات، بالتكتيكات الهمجية البشعة التي تمارسها الجماعة. فهدى مثنى مثلاً، تلك الطالبة المولودة في ولاية ألاباما وابنة الدبلوماسي اليميني التي التحقت بـتنظيم “داعش” خلال العام 2014، كانت تهيب بالاميركيين أن يحذو حذوها. وقالت مغردة على حسابها، المغلق حالياً: “إذن فقد جاء الاستراليون وكذلك البريطانيون، ولكن أين الاميركيون؟.. انهضوا ايها الجبناء.”
كانت هدى تشجع من لا يستطيع السفر الى مناطق “الدولة الاسلامية” على تنفيذ هجمات ارهابية داخل الولايات المتحدة. فكتبت تغريدة تقول: “خلال ايام المناسبات والمسيرات قد سيارتك وانقض عليهم، اسفك كل ما تقدر ان تسفكه من دمائهم، استأجر شاحنة كبيرة وقدها وسط حشودهم.. اقتلهم.” 
 
النساء يستعبدن الايزيديات
بحلول شهر آب 2014 حاصر مسلحو “داعش” جبل سنجار الواقعة الى الشمال الغربي من العراق وبدؤوا يطاردون الايزيديين، وهم اقلية دينية قديمة تعرضت منذ أمد بعيد للاضطهاد بسبب معتقداتها التي تحوي عناصر من الديانتين المسيحية واليهودية. أما “داعش” فتعتبر هذه الطائفة من عبدة الشيطان. وهكذا تعرض الآلاف من الرجال الايزيديين للقتل، بينما اختطفت النساء والفتيات وحملن الى حيث جرى بيعهن في الاسواق او تقديمهن كهبات وعطايا ومكافآت من قبل مسلحي التنظيم. وخلال فترة الرق كانت هؤلاء النسوة والفتيات المحتجزات يعملن خادمات لزوجات اسيادهن ويتعرضن للاغتصاب من
 قبلهم.
وقد دافعت زوجة أحد عناصر “داعش”، وكانت ممن يحتفظن بسبايا ايزيديات، عن هذه الممارسة عبر أحد أعداد مجلة “دابق”  الداعشية بمقالة عنوانها: “إماء أم بغايا؟”
استشهدت هذه المرأة، التي اطلقت على نفسها اسم “أم سمية المهاجرة”، بالنصوص الدينية واعمال الفقهاء لدى طرحها تلك الجدلية، إذ تبرر استعباد الايزيديات واتخاذهن محظيات. ولكنها فندت التقارير التي تسيء الى الممارسة ونسبتها الى من وصفتهن بأنهن “إماء منحرفات شريرات يختلقن الاكاذيب ويروين القصص المزيفة”. واضافت تقول: ان ممارسة الجنس مع الإماء الايزيديات شيء يقره الدين بينما ترتكب العاهرات في الغرب الخطيئة جهاراً”.
 
إثبات جرائم الأفراد
يواجه المحققون الذين يتحرون الأدلة المتعلقة بالافعال الشخصية التي تدين كل امرأة بذاتها صعوبة شديدة في العثور على ما يصلح للتقديم امام المحاكم، عدا ما يجدونه على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.
يقول “شاموس هيوز” نائب مدير برنامج التطرف من جامعة جورج واشنطن: “لدى الولايات المتحدة 16 شخصاً من العائدين، على قدر علمنا، وقد أمكن محاكمة 13 منهم أمام المحاكم الفيدرالية وهذا يعني أن ثمة نظام للقيام بذلك.” بيد أن معظم الذين جرت محاكمتهم، كما يضيف هيوز، كانوا قد اعترفوا بما ارتكبوه. أما من يرفضون الاعتراف فسوف يترتب على المحققين، الذين ينقبون في وثائق “داعش” مثلاً، أن يجمعوا سلسلة من الأدلة الدامغة التي لا تقبل الطعن، وهذا أمر صعب التحقيق وسط البيئات الفوضوية مثل مناطق الحروب.
حتى الشهود، ومعظمهم من عناصر الاستخبارات أو الامن، غالبا ما يعرضون عن الإدلاء بالشهادة خلال المحاكمات المفتوحة. أضف الى ذلك أن تشخيص امرأة ترتدي نقاباً مكوناً من ثلاث طبقات، وهو غطاء الوجه النظامي، لن يكون أمراً معتمداً.
حتى مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت اولئك النسوة تستخدمنها، فهي مستمرة بالتلاشي والتوقف النهائي. فمواقع المدونات، مثل “تامبلر” أو “ووردبريس”، ومنابر المراسلات، مثل “تليغرام”، تعرضت لحملة اغلاق شديدة شملت حسابات كل مستخدم يعتقد بانتمائه الى تنظيم “داعش”.
في جميع الاحوال، كما تقول مارغولين، فإن النساء ربما لم يكن يكذبن عندما زعمن أن جل همهن كان رعاية شؤون الأسرة، ولكن هذا لا يعفيهن من المسؤولية. أجل، ربما كن زوجات وأمهات، ولكن المعنى الذي تنطوي عليه هذه الكلمات عندهن مختلف عما تعنيه عندنا لدى الحديث عن ربات البيوت.” تستطرد مارغولين قائلة إن هؤلاء النساء، بوصفهن حاملات لواء فكر الجماعة لإعداد الجيل التالي من المقاتلين، إنما يسعين وراء هدف أعلى. وبذلك فإنهن يمثلن، من وجهة نظر مارغولين، “الاستمرار المستقبلي الباقي لما يعرف بالدولة الاسلامية.”