هويتنا «المفقودة» في كركوك

آراء 2023/09/11
...

حمزة مصطفى

في تغريدة لي قبل أيام بشأن الأوضاع في كركوك كتبت قائلا «كلما حصل تصعيد في كركوك يثار السؤال التقليدي ماهو الحل؟ الجواب لا يوجد حل لا بالأفق ولا بالدربونة، طالما صراع الإرادات هو من يتحكم فيها. لماذا؟ لأن كركوك تختزل الهوية العراقية الوطنية المفقودة، بينما تتناثر الهويات الفرعية يمينا وشمالا, شرقا وغربا ونحن نتفرج على النار الأزلية». نعم هذه هي الحقيقة التي لا يريد المتصارعون على كركوك الداخليين والخارجيين الاعتراف بها. لأن الاعتراف بها  يعني خسارتهم جميعا لما يعتقدونه حقا موروثا أو مكتسبا، بفعل الأمر الواقع أو المتغيرات أو تغيير الخرائط والتلاعب بإعداداتها طوبوغرافيا وديموغرافيا. على مدى عقود خضعت كركوك لكل ذلك من أجل إحداث فراغ مرة أو ملء فراغ مرة أخرى بصرف النظر عن الدوافع والأسباب.  
ربما يطرح سؤال تقليدي تماما هنا.. هل مشكلة كركوك الأزلية تكمن في نارها الأزلية (المتغير النفطي)، أم في تعدديتها القومية (عرب, كرد, تركمان) والدينية (مسلمون ومسيحيون) والمذهبية (شيعة, سنة)؟. في سياق ما هو مذهبي فإن هناك تداخلا  على صعيد ما هو قومي  (عرب شيعة, عرب سنة,  أكراد شيعة, أكراد سنة, تركمان شيعة, تركمان سنة). مشكلة هذه التعددية القومية الدينية المذهبية المتداخلة في منطقة واحدة (مدينة, محافظة)، وبسبب المتغيرات السياسية الحادة في الأنظمة السياسية، التي تحكمت في البلاد منذ نشوء الدولة العراقية عام 1921 وحتى اليوم (ملكية ـ جمهورية)، بقيت متمايزة ولم «تنصهر»  في سياق هوية وطنية جامعة على مستوى العراق. لهذا السبب تحولت التعددية في كركوك ليس الى «شدة ورد» مثلما يحاول الخطاب العاطفي تسويقه، بل إشكالية غير قابلة للحل ربما الى وقت آخر غير معلوم.
المشكلة أن لا أحد من أبناء الطبقة السياسية العراقية  بمختلف تلاوينهم وخلفياتهم يعترف بعدم وجود هوية مواطنة مواحدة. فالاعتراف بعدم وجود مثل هذه الهوية، يعني فقدانهم شرعيتهم السياسية والتمثيلية، التي تستند في الغالب على خطب ومقولات ومفاهيم لا تصمد كثيرا أمام الحقائق على الأرض. لذلك ليس أمامهم سوى ممارسة سياسة الإنكار. لهذا السبب  سعت الطبقة السياسية العراقية على مدى كل العقود الماضية على إسباغ ألقاب وصفات ومسميات على كركوك ما أنزل الله بها من سلطان, مثل  «كركوك مدينة التآخي, كركوك عراق مصغر, كركوك شدة ورد, وأخيرا وربما ليس آخر.. كركوك كركوكية». كل هذا الخطاب القومتي, الدولتي, التمويهي, الإيهامي لم يجد حلا واحدا، وعلى مدى آخر ستة عقود على الأقل من الزمن  لمشكلة واحدة صغيرة من مشكلات كركوك المعرة. لكن ما هي مشكلة كركوك التي تختلف فيها عن سواها من مدن ومحافظات ربما تنطوي على تعددية إثنية, دينية, مذهبية مشابهة ولو نسبيا لكركوك؟ المشكلة تكمن في الاستثمار السياسي عبر مسميات وتلاوين مختلفة يتداخل فيها القومي بالديني بالمذهبي، بحيث ضاع على مدى تلك العقود الستة الأخيرة خيط الكركوكيين وعصفورهم.
فالكركوكيون المتعايشون مع بعضهم, المتزاوجون من بعضهم يمكن أن يكونوا نموذجا للمجتمع المحلي المتعايش، لكن في ظل هوية مواطنة واحدة يشتركون فيها مع باقي العراقيين في كل المحافظات العراقية الأخرى، التي تضم مثلهم عربا وكردا وتركمانا ومسلمين ومسيحيين وإيزيديين وصابئة وسواهم. لكن نتيجة فشل الطبقة  السياسية والمجتمعية والنخب والأنظمة، التي حكمت البلاد وتحكمت في موارد الطبيعة ومصائر الناس في بناء هوية واحدة جامعة، لمجتمع متعدد جعل كركوك هي الخاصرة الرخوة، التي تتصادم فيها مختلف الإرادات الداخلية والخارجية، وهو ما جعلها هي الضحية الدائمة لعوارنا السياسي والمجتمعي والنخبوي.