د. أثير ناظم الجاسور
قبل العام 2003 منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ولغاية اليوم، والعراق يخضع لفكرة الصفقة والاتفاق في عملية الإدارة، سواء على المستوى الداخلي أو حتى الخارجي، ورعاية القوة الكبرى التي لعبت دور في تحديد أدوار اللاعبين في الداخل والخارج مع تفاوت الادوار، وهذا تم من خلال قياس قدرات هؤلاء اللاعبين وعملية التكيف بين الداخل والخارج، وفق نسب التفكير والتخطيط والتنفيذ.
أنشأت أمريكا نظاماً سياسياً غير قادر على ترتيب أوراقه الداخلية دون الرجوع للمشورة واخذ الحيطة والحذر من خارج الحدود ووضع الاعتبارات لهذه الدولة أو تلك، ما جعل هذا النظام يعتمد بشكل كلي على مسألة الاتفاقات، التي لا تصلح لأن تكون حتى حلاً انياً لوضع معقد ومتشابك مثل وضع العراق، لما يحتويه من تنوع وتعدد للالوان الاجتماعية.
بناء الدولة الجديدة لم ياخذ الكثير من تخطيط المحافظين الجدد الذين شكلوا مجمل تصوراتهم وفق منطلقات نظرية لو تأتي ثمارها في الواقع العملي، فالازمات التي كان من المفترض أن تخلق نموذج مشروعهم الجديد في تلك المرحلة، خلق جملة من الازمات التي أثرت على شكل ومضمون هذا النموذج حتى صار منبوذاً اقليمه والمحيط به، لا بل صار إشارة لكل الشعوب تقول احتفظوا بمن يحكم الان أفضل من القادم المجهول، لم تستهلك أمريكا جهدا سياسيا في ترتيب أوراق العراق سياسيا واقتصاديا وتُركز اكثر اجتماعيا على تنوع كان وما زال مرهونا باتفاقات غير متينة، بُنيت على أرض هشة كمن يسميها على رمال البحر، ودليل هشاشة هذه الاتفاقات منذ العام 2003 ولغاية اليوم لم تدم هذه الاتفاقيات، اما لعجز في التنفيذ أو لتخوين أو لتسلط هذا الطرف على ذاك، وبكل الأحوال الجانب الشعبي أو الاجتماعي هو المتضرر الوحيد، وهذا واضح من واقع الحياة اليومية على اقل تقدير، لا سيما أن المواطن بات آخر الاهتمامات الحزبية والحكومية.
لم تنهِ أمريكا حكم نظاماً دكتاتوريا تسلط على رقاب شعبه بقدر ما أرادت أن تزيح نظام كان يُهدد مصالحها، وقد يُهيمن مستقبلاً على مصادر الطاقة أو يعيق تدفقها هذا إلى جانب الشعور الثأري، الذي كان ينتاب بوش الابن لما حدث لبوش الأب في بداية تسعينيات القرن العشرين إلخ... من الأحداث، والكل يعرف أن أمريكا غيرت النظام، بعيدا عن الشعارات المعلنة باسم الديمقراطية والهدف الحقيقي هو ما نعيشه اليوم بكل تجلياته، أزمات تؤثر في الداخل وتُربك الخارج دون حلول واضحة، لا بل دون وضع حجر أساس لنظام يستطيع التحكم برقعة أرض من المفترض هو من يحكمها على أقل تقدير، وهذا ما يحصل مع ابسط أزمة سياسية تتحول إلى كارثة هوياتية معقدة لا حل لها إلا بالتنازل.
ما حصل في كركوك سيتكرر مع الضعف في ادارة هذا الملف الذي بين الحين والآخر، يكشف ضعف وهوان الاتفاقات التي بالضرورة كلما تطفو على الساحة تخلق ضحايا، فإدارة ملف كركوك طالما بقي بعيدا عن العقل والمنطق والسياقات، التي تعمل على تعزيز قوة الدولة لإدارة شؤونه، فبين مقر قيادة وتقطيع أراضٍ، والحديث عن استحقاقات تاريخية وتقسيم غير عادل اصبحت المدينة فوهة البركان التي لابد من أن تنفجر لتُحدث كارثة على النظامين السياسي والاجتماعي، وما له علاقة بالتأكيد بخارج الحدود الذين يلعبون دوراً مهما في تأجيج هذا الصراع للتدخل في الشأن الداخلي العراق ولتأجيج الوضع بأسم هذه القومية والديانة والمذهب، وحتى تتشكل الصورة واضحة نكون أمام خيارين منبوذين من قبل الكبار في اللعبة السياسية العراقية، الأول يتحدث عن سلطة الدولة والقانون الذي لابد من فرضه لرسم كل القضايا وعدم السماح للحديث عن هذا التقسيم، الذي يُعرض باقي أراضي العراق للخطر في المستقبل القريب، والثاني يتحدث عن اتفاقات هشه غير محمودة العواقب تُعيد المدينة إلى نقطة العنق المتواصل، مما سيؤثر حتما على التعايش والاستقرار ليس في كركوك فقط انما على العراق تماماً.
بالتالي وقد نكون من أصحاب الأفكار الخيالية والمالية في تحديد هذه الفقرة لكن عسى ولعل. لا خيار غير:
- فرض القانون والابتعاد عن الاتفاقات والصفقات الكاذبة التي أوصلت البلاد لهذه النقطة من السوء.
- الابتعاد بل مغادرة مسألة الترضية خوفا من فرط العقد السياسي الضعيف بالأساس، لأن هذا العقد لا يقوى على إدارة الدولة بالعقل والمنطق من الافضل حله.
- اعلان كركوك مدينة التعايش بين الأديان والقوميات وادارتها تكون مباشرة من قبل الدولة العراقية، لا ملك لحزب ولا قومية ولا ديانه.
- نزع سلاح المدينة وفرض القانون بما يتناسب والتعامل الإنساني الوطني مع كل شرائح المحافظة دون تمييز.
- إخراج جميع الاحزاب والتنظيمات السياسية والمسلحة خارج هذه المدينة، احتراما للتنوع الذي تعيشه.
- عدم السماح لأي تدخل خارجي في شؤون المدينة والعراق ككل بالتأكيد.
كركوك والوضع السياسي والاجتماعي اكبر من المتصور والمُتخيل لكن إذا تمت الحلول بإرادة اقليمية أو دولية. أو بفكرة التوزيع لهذا الحزب أو ذاك فإن القادم للمدن العراقية سيكون مشابهاً، وكركوك ستكون مقدمة التنازلات وتفتح الباب لعودة الإقليم التي بالضرورة ستعيدنا لمشروع الشرق الأوسط الجديد والحديث عن الدويلات الصغيرة التي تحل محل الدولة المركزية الكبيرة الجامعة.