وفاة الديمقراطيَّة على وقع التكنولوجيا

آراء 2023/09/12
...








 سناء الوادي

في وقتنا هذا باتت تتهاوى المجتمعات العتيدة على وقع الأخبار الزائفة والحسابات الوهمية ونشاط رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح الانقلاب على الإرادة الشعبية التي أوصلت الحاكم إلى كرسيه لم يعد بحاجة الدبابة والرصاص، بل يكفي الاستيلاء على موقع البث الإذاعي والتلفزيوني لينتهي الانقلاب دون إراقة قطرة دم واحدة، ناهيك عن الآلاف من المجندين الإلكترونيين الذين تجيشهم جهة ما لمصلحتها في دولة أخرى فتؤثر على المواطنين وترص الصفوف، لما يخدم غايتها أو على النقيض من ذلك تفرق جمعهم وتزرع الخلاف وتنشر الفتن وتهيئ الأرض التي تصلح في ما بعد لزراعة السموم والحروب والخراب، وهذا ما يُسمى في القرن الحالي بالفوضى الخلاّقة، حيث كان أول من ابتدع هذا المصطلح الماسونية العالمية وعبّرت عنه صراحةً وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس في حديث صحفي مع جريدة "الواشنطن بوست" في العام 2005م وكان ذلك بمثابة الإيذان بنشر الخراب والدم في العالم العربي، بدءاً من الغزو الأمريكي للعراق ونهاية لكل الدول العربية التي طالتها براثن الربيع العربي المزعوم.
هذا وفي رواية الكاتب المعروف دان براون "موت الديمقراطية " كان قد نوّه لمستقبل الإنسان في عصر يوشم بالذكاء الاصطناعي، وأنّ هناك سلالة جديدة من البشر آخذة بالظهور تلك التي تستحوذ فيها التكنولوجيا على جزء كبير من بنيتها التكوينية، كالبعض الذي قد ركب اطرافاً صناعية، وما ننتظره في المستقبل القريب من زرع شرائح إلكترونية في المخ تتيح للإنسان التواصل مع الكمبيوتر وتحويل إشارات الدماغ إلى مجموعة أوامر يقوم الكمبيوتر بتنفيذها وهذا فعلاً ما تحاول شركة نيورالينك الأمريكية وصاحبها الملياردير إيلون ماسك تطبيقه واقعاً، ناهيك عن الفائدة الطبية المرجوة من وراء ذلك كحلول لعدة أمراض مستعصية مثل مرض الشلل الرعاش كما وسيحوّل فكرة التخاطر عن بعد مع الآخرين حقيقة ملموسة، كيف لا يمكن أن نتخيل هكذا تطور بشري ونحن نعيش في أعماق الشبكة العنكبوتية، وغدت تدخل في معظم أنشطتنا اليومية الاقتصادية والمجتمعية، وبما أن دول الغرب وبلاد العم سام لم يكونوا يوماً بالنسبة لنا حمامة السلام الوديعة، فنحن على الفور علينا أن نتنبه لكل ما يتوجهون إلينا به من أفكار تبث بزخم كبير في تقنيات ابتدعوها وأرسلوها إلينا فجالوا بها في دواخل أفكارنا وأمنياتنا وعاشوا بها معنا في أوطاننا فتعدّت التحكم بالأشخاص وتشكيل الأيديولوجيات إلى التلاعب بالشؤون السياسية، فما لا تحققه القوة والنزاعات يمكن تحقيقه بسهولة بالتكنولوجيا وأقرب مثال زمني التلاعب، الذي حدث في الانتخابات الرئاسية لصالح دونالد ترامب والتي تقف خلفه المخابرات
الروسية.
وفي هذا السياق يدور في ذهن الكثيرين التساؤل، الذي يبحث في مصير الديمقراطية في الآتِ من الزمن، وعلى اعتبارها المنجز الإنساني الأهم الذي اكتشفه الإغريق وعلّموا البشرية فن التداول في السلطة وأساليب حل الخلافات وترشيد التنافس، وهناك ما يحتاج إلى إجابة معمّقة أكثر فأكثر عن دول العالم الثالث التي تدّعي التمتع بالديمقراطية في ظل الممارسات العبثية لبعض الأنظمة الحاكمة، فهل كانت تلك الأنظمة تعبر أساساً عن الإرادة الشعبية وهل مازال للثقة بالحكام وجود بعد الحروب الدامية على السلطة وتداولها بين الديكتاتوريات
المتتالية.
هذا وكان قد أطلق الكاتب "جون كين" تحذيراتٍ بأن الديمقراطية اليوم أكثر هشاشة من أي وقت مضى حتى في المجتمعات المتقدمة تقنياً وتكنولوجياً فهي بفضل هذا التقدم تواجه العديد من المشكلات المؤسسية وتعاني من ضعف ثقة المواطنين بها، ولهذا يلجأ المستبدون لتقييد التكنولوجيا ويمنعون تمكين الأفراد عليها بل ويستخدمونها لرعاية أنشطتهم الرقابية عبر الانترنت وبث النعرات الطائفية في المجتمعات الإثنية إذا لزم الأمر، فإذا كان حكم الشعب نفسه بنفسه من صميم المفهوم الديمقراطي فأين تلك الأنظمة السلطوية المتملكة للحكم من هذا وأين هي الأصوات الشعبية، التي تُمحى من اللوائح الانتخابية بضغطة زر بائس على الكمبيوتر وأين ذهبت المساواة في المواطنة والحقوق بين كافة الأفراد.
ولربما صدق من قال بأن الديمقراطية كانت صالحة لما قبل عصر الانترنت فالآن لا توجد ديمقراطية كاملة سوى داخل الشبكة العنكبوتية وهل ستصدق النبوءة بحتمية سقوط الليبيرالية الغربية حيث أنها تحمل في صميم تكوينها عوامل زوالها.