اللامشترك بين الشمولي والتعددي

آراء 2023/09/13
...

 ا.د.عامر حسن فياض

كتاب نشر بالفرنسية في عام 2007، واعيد نشره في العام 2011 يحتضن عنوان (جيوبولتيك المشاعر)، يرى مؤلفه أن عالمنا مقسم من حيث المشاعر إلى ثلاث مناطق، هي منطقة (الامل)، أي الشعور بالأمل تضم دول آسيا المتقدمة (الصين- ماليزيا- اندونيسيا- الهند-سنغافورا...) ومنطقة (الإذلال)، أي الشعور بالذل لأسباب متعددة، تضم بلدان المنطقة العربية الإسلامية.. ومنطقة (الخوف)، أي الشعور بالخوف، وتضم بلدان أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. 

وعلى أساس هذا التقسيم، سواء كان افتراضيا أو واقعيا اين نلتمس السلم المدني؟. بالتأكيد نستطيع بسهولة أن نتلمس السلم المدني في دول منطقة الامل، بينما نتلمس بصعوبة هذا السلم المدني في منطقتي الخوف والاذلال، ففي دول منطقة الخوف، ربما نتلمس بسهولة السلم المسلح الناعم الذكي والناعم الذكي جدا، وفي بلدان منطقة الاذلال نتلمس بسهولة السلم المسلح الخشن والخشن جدا.

وإذا كان علينا أن ننسى التفكير في تلمس سلم مدني في نظم بلدان الإذلال الشمولية، فكيف نتوهم بـ(إعادة) السلم المدني إليها، وهو سلم لم يكن موجودا فيها أصلا؟.

حقا ليس من المنطقي إعادة اللاموجود أصلا إلى الوجود، غير أن الحاجة إلى هذا اللاموجود (السلم المدني) في هذه البلدان هي حاجة تستحق العناء لإيجاده. والعراق بحاجة إلى السلم المدني لأنه سلم كان غير موجود، ولا يزال غير موجود بشكل متكامل، ولا بشكل ناضج ومنتظم، حتى يومنا هذا. وعند ذلك يتوهم من يظن أن النظام الشمولي، الذي ابتلى به العراق لعقود مضت، قد أنجز السلم المدني، ويكون الواهم الأكبر، كل من يفكر، اليوم بإعادة هذا السلم المدني المزعوم. وأصاب من يظن بأن هذا النظام الشمولي استطاع فعلا أن ينجز سلما مسلحا خشنا جدا بالقمع والخوف والإذلال. وبالنتيجة فلا فصحة لترديد عبارة (إعادة السلم المدني) في العراق، والصحة كل الصحة لترديد عبارة ضرورة بناء السلم المدني في العراق.

كما لا يصح أن نفهم دعوة العقلاء إلى دولة عراق قوية بأنها دعوة إلى سلطة متوحشة على المواطن كدول النظم الشمولية، ولا بأنها دعوة إلى سلطة هشة بذاتها وخجولة مع خصومها، كما هي حال الكيانات ما قبل الدولة المنتشرة بكثافة في منطقة الاذلال، بل ينبغي أن نفهم معركة العقل العراقي، من أجل التعقل بأنها معركة بناء دولة العراق القوية، التي تستمد قوتها من المواطن ضد خصومه في الداخل والخارج، والتي تستخدم قوتها مع المواطن ضد التبعية والارهاب والمحاصصة والفساد والطائفية والبطالة 

والامية. 

بمعنى أدق أن الدولة المطلوبة للعراق هي دولة قوية تعددية لا دولة قوية شمولية. وعند المقارنة الاولية ما بين التعددي والشمولي يتضح لنا، اللامشترك بينهما، ففي الدولة القوية الشمولية تحسم المشكلات بالترغيب الفاسد أو بالترهيب المسلح، بينما يتم التعامل مع المشكلات في الدولة القوية التعددية بالحوار وصولا إلى التسوية. وفي الاولى تكون النظرة إحادية (نظرية السلطة)، والصوت واحد (صوت الأقلية المتنفذة) والحقيقة واحدة (حقيقة السلطان)، بينما الثانية تكون النظرة تعددية (نظرة الشعب)، والصوت تعددي (صوت ممثلي الشعب المنتخبين)، والحقيقة تعددية (حقيقة المؤسسات

 الدستورية).

عندها تكون الدولة القوية بهذه المواصفات دولة شجاعة قادرة، حقا، على بناء السلم المدني، لأن الشجاعة فضيلة بين رذيلتين على رأي (افلاطون) هما رذيلتا التهور والجبن!. 

فالدولة الشجاعة هي دولة بلا تفريط بالشجاعة، كي لا تصبح دولة جبانة، وهي دولة بلا إفراط في الشجاعة كي لا تصبح دولة متهورة.