نازك بدير
لكلّ من المحافظات العراقيّة سِمة خاصّة بها، ولعلّ ما تمتاز به كركوك هو تركيبتها الفسيفسائيّة؛ مزيج من أعراق متنوّعة عرب وأكراد وتركمان، آشوريّين وكاكائيّين، وعدد من الأقليّات الأخرى. وتختصّ هذه المحافظة بموقعها الاستراتيجي نظرًا لوجودها في عمق منطقة تربط شمال العراق بوسطه. كما تحيط بها أربع محافظات هي: السليمانية، أربيّل، ديالى، صلاح الدين.
عوامل أخرى أساسيّة تجعل كركوك في عين العاصفة تتعلّق بذهبها الأسود، ومخزونها من الغاز، إذ تحتوي على 40 % من نسبة الاحتياطي النفطي العراقي، وأكثر من 70 % من نسبة احتياط الغاز، محتلّة المرتبة الأولى بين المدن النفطيّة العراقيّة. يعدّ حقل نفط كركوك الذي اكتشف في أكتوبر/تشرين الأول 1927 أقدم حقول العراق، وثاني أكبر حقل نفطي في العالم من حيث القدرة على الإنتاج، وهو خامس أكبر حقل على الصعيد العالمي من حيث الحجم باحتياطي نفط يفوق 10 مليارات برميل من النوعيّة الجيّدة.
إضافة إلى ما تقدّم، يبرز خط أنابيب كركوك - بانياس والدور الروسي لإعادة إحياء العمل به، ولا سيّما بعد توقّف تركيا عن ضخّ النفط العراقي عبر أراضيها، محاولة الاستفادة من تمرير الوقت، ورفْع سقف مطالبها.
ثمّة دول خارجيّة من مصلحتها أن يبقى العراق والبلاد العربيّة بشكل عامّ على صفيح ساخن. وها هي ستراتيجيّاتها تؤتي ثمارها؛ ما تشهده كركوك ليس سوى نتاج تراكمات عديدة قد يكون على رأسها المادة 140 من الدستور الذي فُرِض في ظل الاحتلال الأميركي، وعدّها في ذلك الوقت من المناطق المتنازع عليها، مع العلم أنّ هذا المصطلح يُستخدم بين الدول وليس ضمن الدولة الواحدة، لتقسيم الدولة العراقيّة. يرى البعض في المادة 140» خريطة طريق تؤدّي إلى حلّ الموضوع في المستقبل»، لكن تُظهِر الوقائع أنّها على شاكلة الخرائط التي تسعى إلى فصْل الرئتين عن القلب وعن سائر الأعضاء لإنهاك الجسد.
خروج المحتجّين في الشارع، والاحتكاك بين حزب البارتي من جهة والعرب والتركمان من جهة ثانية وسقوط ضحايا، ذلك كلّه كان سيحصل سواء اتُّخذ القرار بإخلاء مبنى المقرّ المتقدّم للعمليّات وتسليمه إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني أم لا، تلك كانت شرارة صِدَام مؤجّل.
قد يكون من الصعب إيجاد حلّ لملف كركوك بمعزل عن غيره، فهو جزء من منظومة ملفات شائكة ومتشابكة في الآن نفسه، ولا سيّما أنقرة التي تحجز حصّة العراق من المياه وراء السدود، وإيران التي حوّلت مسار 11 نهرًا تنبع من أراضيها وتدخل إلى الأراضي العراقيّة، ما يؤدّي إلى تصحّر الأهوار، وتراجُع منسوب نهر الفرات.
بالنسبة إلى الحلم الكردي بضمّ كركوك إلى الإقليم، يبدو من غير المناسب للدولتين المحاذيتين أن يكون للأكراد على حدود كلّ منهما» مقاطعة»، خاصّة بهم خوفًا من انتقال العدوى إلى بلادهما.
كاتبة لبنانيّة