نرمين المفتي
لا بأس من إطلاق صفة الأزمة على الأحداث، التي شهدتها كركوك مؤخرا، وتسببت بها أمرا بتسليم مقر قيادة العمليات المشتركة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، استنادا إلى اتفاقات تحالف ادارة الدولة والتي نتجت عنها تشكيل الحكومة الحالية، مع التأكيد على أن قضية كركوك أعقد من هذه الأزمة، التي قامت المحكمة الاتحادية العليا بتهدئتها إلى حين من خلال اصدارها أمرا ولائيا يقضي بإيقاف إجراءات تسليم المقر، حتى حسم الدعوى المرفوعة بخصوص عائدية قطعة الأرض، التي شيدت عليها المبنى- المقر وإصدار رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني أمرا بتأجيل تسليم المقر حتى إشعار آخر. ولا بد من القول إن اهالي كركوك الاصلاء بتنوعهم الجميل بمختلف قومياتهم ودياناتهم ومذاهبهم، ساهموا بهذه التهدئة من خلال وسائل الاعلام عامة ومواقع التواصل الاجتماعي، خاصة على أن كركوك للجميع وأن استقرارها، يعني استقرار العراق، وأنهم يتعايشون معا بدون مشكلات وأزمات، التي تفتعلها السياسة بين حين وآخر، خاصة اثناء الانتخابات، علما أن الانتخابات المحلية، التي ستجرى نهاية هذه السنة، لم تشهدها كركوك منذ 2005 ولأسباب سياسية أيضا، ولرفض أهلها أن يتم وضعهم أمام الأمر الواقع.
لا أريد التحدث عما حدث كثيرا، لكنني أجدني مرغمة مرة أخرى أن أشير إلى البرامج السياسية في الفضائيات العراقية، أو على قنوات اليوتيوب، التي تابعت هذه الازمة. لا أدعي بأنني تابعتها كلها، إنما تابعت عددا لا بأس به. سبق لي وإن أشرت إلى أن غالبية هذه البرامج، لا تمنح أية فرصة للمتلقي لفهم ما يجري وتشكيل رأي عام، بل إنها تخفق في إيصال الفكرة ومناقشة الحلول الممكنة، ويبدو مقدموها وكأنهم في محاولة للسيطرة على رأي الضيوف، بما يخدم أجندة فضائياتهم وما اكثرها في العراق، تماما كما تفعل الكتل السياسية، أي أن لا هدف لهم سوى المصلحة الخاصة، لكن ازمة المقر في كركوك كشفت ان غالبية من تابعتهم من مقدمي هذه البرامج، لا يعرفون المشكلات المعقدة في كركوك، وقطعا خلفهم كادر إعداد، ويبدو أنهم يعتقدون أن المتلقي لا يعرف شيئا، لذا لا يبحثون عن مصادر لمناقشة أسس المشكلات، انما يكتفون بإثارة الضيوف، وكأن البرنامج ليس سوى مواجهة بين شخصيات من كتل سياسية مختلفة ومتخالفة. وكذلك كان ملاحظا حين يحاول أحد الضيوف تضليل المتلقي، فإن مقدم البرنامج لم يتمكن من مناقشته، لعدم معرفته وكما اسفلت بجذور قضية كركوك وبالمادة ٥٨ من قانون الدولة للمرحلة الانتقالية 2004، والتي تم ترحيلها إلى الدستور، واصبحت المادة 140، والتي وصفها سياسيون كثيرون باللغم. وهناك برامج تعمدت إجراء حوار مع ضيف واحد معروف بموقفه مع هذا الطرف، أو ذاك ولم يقاطعه المقدم برغم إدعاءات غير مقبولة. ولاحظت أيضا أن بين مقدمي أو معدي البرامج من لا يعرف تاريخ عملية فرض القانون في كركوك والتي كانت في 16/10/2017 واشار إلى أنها نفذت في ايلول 2016! وعودة إلى قضية أو قضايا كركوك المعقدة، فإن الحل أو بعضه في إبعاد هذه المحافظة عن اية صفقة سياسية، قد تسبب فتنة تشعل فتيل أزمة جديدة أو تشعل الوضع والابتعاد عن لهجة التهديد أو تجاهل هذا الطرف أو ذاك، وبعضه الآخر في التعامل مع الكل من مسافة واحدة، استنادا إلى المواطنة وليست القوة.. ولنتذكر دائما أن كركوك هي صمام أمان العراق الموحد أرضا وشعبا.