هشام داوود
كثيراً ما نقرأ هنا وهناك أو نسمع من بين الحين والآخر بأن الحكومة العراقيَّة تعقد آمالاً كبيرةً على الصين، سواء على صعيد مبادرة الحزام والطريق أو بما يتعلق بطريق التنمية، وفي كلا الحالتين يجب ألّا يغيب عن البال أسلوب التعامل الصيني وموقفها تجاه الدول التي تدخل معها في شراكةٍ اقتصاديَّة، وكما سنبيّن في هذا المقال.
زارت منظمة التعاون الإسلامي الصين، وقدّمت الثناء والاحترام الخانعين لهذه الدولة المسؤولة عن الفظائع ضد الملايين من المسلمين الصينيين (اليوغور)، والتي وصفتها محكمةٌ بريطانيَّةٌ بأنها إبادةٌ جماعيَّة.
منظمة التعاون الإسلامي هي أكبرُ هيأةٍ متعددة الأطراف تدعي أنّها تمثل الأمّة الإسلاميَّة عالمياً، ومثلها كمثل العديد من أجهزة السلطة العالميَّة، التي لا تضع مصالح مريديها في صميم اهتماماتها.
كثيراً ما تنتقد هذه المنظمة دولاً عديدةً من بينها إسرائيل والهند، بسبب التعامل مع المسلمين، لكن في الوقت ذاته ذهبت أكثرُ من اثنتي عشرة دولةً عضوًا في منظمة التعاون الإسلامي للتوقيع على رسالةٍ تشيد بإنجازات الصين في مجال حقوق الإنسان، علماً بأن الصين تقوم باحتجاز المنفيين من مسلمي اليوغور، وترفض عودتهم ثمَّ تقوم بترحيلهم إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي، وتركيا التي تعتبر إحدى الدول، التي وقّعت على معاهدة تسليم المطلوبين، والتي أبرمتها مع الصين أواخر ٢٠٢٠ والتي تضمنت تسليم مئة ألفٍ من اليوغور موزعين في دول الشتات والمعرضين لخطرٍ كبيرٍ جداً، يتمثل بإجبارهم على العودة إلى وحشيَّة بكين (رغم نفي أنقرة).
السبب الرئيس وراء المعايير المزدوجة لهذه المنظمة هو المال، وإنَّ محاولة تهميش اليوغور وإخضاعهم هي فقرةٌ غير رسميَّةٍ في مبادرة الحزام والطريق، هذا المشروع الذي تستغله الصين، والذي يفترض أن يدرَّ أكثرَ من ٨ مليارات دولارٍ في حزامٍ عابرٍ للقارات من الممرات البرية، لذلك يتوق العديد من قادة الدول إلى اقتطاع نصيبهم من كعكة مبادرة الحزام والطريق.
ومثلما تتعاون من أجل الحصول على المال الديكتاتوريات في روسيا وكوبا وكوريا الشمالية مع الصين على الساحة الدوليَّة، في محاولةٍ لشيوع الاستبداد بشكلٍّ عام، فإنَّ الإدارات في جميع أنحاء العالم الإسلامي تسعى بالمثل إلى جني المكافآت نفسها، في حين أن الناتو في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا غالبا ما تضمنت مغامراتهم محاولاتٍ مشؤومةً لتنفيذ الديمقراطيَّة وتغيير النظام، لكن الصين لا تشارك هذا الطموح، إذ إنَّ شبه الاستعمار الصيني يعمل على تحصين الحكوماتِ القمعية، التي تهيمن على العالم الإسلامي.
تعتبر بكين الآن أكبرَ مستثمرٍ أجنبي في منطقة الخليج، من خلال الابتعاد عن الحروب بالوكالة، التي تدور رحاها في سوريا وليبيا واليمن، وتمكنت من لعب اللعبة الطويلة ودمج المنافسين اللدودين (إيران) و(السعودية) في حلبة مبادرة الحزام والطريق.
هذا التوظيف الماكر للنسبيَّة الأخلاقيَّة هو في صميم الخطط عند التعامل مع الديمقراطيَّات، وبالعودة إلى منظمة التعاون الإسلامي، التي يستخدم ممثلوها بفرحٍ لغة حقوق الإنسان، لكن مع الأنظمة الاستبداديَّة تكون هذه المبادئ متجاهلةً وغائبةً بشكلٍ غامض.
ولهذا السبب جاء التوبيخ العدواني من قبل رئيس وزراء باكستان السابق (عمران خان) لخطط الرئيس الفرنسي ماكرون، لمعالجة التطرّف الإسلامي، مقارنةً برفض ماكرون للاعتراف بمعاناة اليوغور، كذلك أردوغان الذي تخلى عن إدانة السياسة الصينيَّة، تجاه اليوغور بمجرد أن عرضت الصين عليه خطة إنقاذ بمليار دولار عام 2019.
ولا يجب إغفال أنَّ الصين نفسها تتغير، فمعدل المواليد المنخفض وعدم التوازن بين الجنسين، ما هي الا قنابلُ ديموغرافيَّةٌ موقوتة، وتكثر المخاوف بشأن أزمة الائتمان الأولى في جمهورية الصين الشعبيَّة، التي جعلت بعض الخبراء يرون أن أعمال القمع والعمل القسري هما ردّا فعلٍ قصير النظر على مطالب الأجور المتزايدة، التي تهدد تفوقها في التصنيع منخفض التكلفة، وهذا سيجعل وضع الأقليَّات المحاصرة في الصين يزداد سوءاً، بدلًا من أن يتحسن.