فارس حامد عبد الكريم
حسن النيَّة، مبدأٌ قانونيٌّ ومعيارٌ كليٌ يحكم السلوك القانوني عامةً، يهدف إلى حفظ كيان المجتمع من وقائع السوء والغش والغبن والإهمال واللامبالاة وإلى خلق وتأكيد الثقة والطمأنينة والحرص بين أفراد المجتمع.
وهو واجبٌ إخلاقيٌّ نفذ إلى الفكر القانوني، فهو يقوم على فكرةٍ إخلاقيَّةٍ أصلاً، لأنه يوجب على الفرد أن يكون حسن النيَّة تجاه أبناء مجتمعه لا ينوي بهم شراً أو سوءاً أو خديعةً ويعاملهم بمثل ما يحب أن يعاملوه به.
وهو يظهر في عالم القانون بصورة واجبٍ على الفرد بأن يتصف في سلوكه بقدرٍ معيّنٍ من اليقظة والحرص وتقدير العواقب، وبعد النظر والاهتمام بشؤون الآخرين، لكي يتحاشى إلحاق الضرر بهم لا عن سوء نيَّة ولا عن إهمال.
وهو معيارٌ كليٌّ لأنه من الأحكام الكليَّة التي لا تنتفي بعدم النص عليها. ثم أنّه يجد تطبيقاتٍ واسعةً في القانون المدني تكاد تغطي مجمل المسائل التي يتناولها.
فإذا نشأ العقد صحيحًا، فإنه يرتّب آثاره، ويجب تنفيذه طبقًا لما اشتمل عليه وبطريقةٍ تتفق مع ما يوجبه حسن النيَّة، أي على نحو يطابق نية الطرفين عند التعاقد وبطريقة لا تفوت ما قصده الدائن من مصلحة عند إبرام العقد أو تجعلها أكثرَ كلفةً دون مبرر.
ومن وعد بجائزةٍ يتحتم عليه تنفيذ التزامه دون مماطلة. وأحكام العمل غير المشروع ما هي إلا معايير لحسن النيَّة، فالخطأ العمد هو ذلك الفعل أو الترك الصادر عن نيَّة سيئةٍ أي المقترن بنية الإضرار، وهو بهذا المعنى يتضمن كلَّ أشكال تعمد الأذى والغش وخداع الغير والمسلك الوضيع.
والخطأ غير العمدي هو ما كان صادرًا عن إهمال دون أن يقترن بنية الإضرار، وهو في هذه الحالة يتضمن سوء التقدير والطيش والجهل، بما لا ينبغي الجهل به وكلَّ انحرافٍ عن الإدراك والفطنة.
والخطأ العمد هو الذي يرتبط بسوء النيَّة دون الخطأ غير العمدي.
وفي أحكام الكسب دون سببٍ، فإن المشرّع يفرق في موضوع المدفوع، دون حقٍ بين أحكام القابض سيئ النيَّة والقابض حسن النيَّة.
ومن أوجب عليه القانون التزاماً، يجب أن ينفذه بحسن نيَّة، فمن أوجب عليه القانون الإنفاق على قريبٍ مثلا، وجب عليه أن ينفذ التزامه بحسن نية، فلا يقتر في الانفاق ولا يعمد إلى إهانة وتحقير من وجبت عليه نفقته.
وفي إطار الحقوق العينيَّة، فإن نظام الحيازة كسببٍ من أسباب كسبب الملكية، يقوم على مبدأ حسن النيَّة، ويعد حَسِن النيَّة من يحوز الشيء، وهو يجهل أنه يعتدي علــــى حـــق الغير. كما أنَّ الحيازة في المنقول سند الملكية إذا كان الحائز حسن النيَّة.
وحسن النيَّة يفترض دائمًا ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك. وكثيرٌ من النظريَّات القانونيَّة تقوم أو تستند في أحكامها على مبدأ حسن النيَّة، مثل نظريَّة الظروف الظاهرة ونظريَّة التصرف المجرد ونظريَّة الصوريَّة ونظريَّة البطلان.
*النائب الأسبق لرئيس هيئة النزاهة الاتحاديَّة