الصراع الأميركي الروسي في سوريا

آراء 2023/09/17
...







  أ.د.جاسم يونس الحريري


التحركات الأميركيَّة الأخيرة في الحدود العراقيَّة - السوريَّة كانت مثار تساؤلات المراقبين حول الدوافع والأهداف التكتيكيَّة التي تقف وراءها، خصوصا أنها تركزت في شمال شرق الفرات، وصولًا إلى قاعدة التنف بالقرب من المثلث الحدودي جنوب شرق سوريا، على امتداد 600 كيلومتر تمثل الحدود السوريَّة العراقيَّة. 

التحركات الأميركيَّة شملت إحياء تشكيلات عسكريَّة مسلّحة جنوب شرق سوريا لإنشاء حزامٍ عشائري عربي على طول الحدود العراقيَّة السوريَّة، إلى جانب تسريباتٍ إعلاميَّةٍ لتدريباتٍ تجريها القوات الأميركيَّة لفصائلَ سوريةٍ معارضةٍ في ريف 

إدلب. 

الاستعانة بالمعارضة السوريَّة، وتعزيز العقوبات، والاستثمار في الاحتجاجات المشتعلة في السويداء، وحلب والساحل السوري على تردي الأوضاع المعيشية والفساد، من الممكن أن تصنّف كمحاولةٍ للدفع بروسيا وإيران نحو الدفاع، بعد أنْ شهدت الأجواء السوريَّة احتكاكاتٍ بين الطيران الروسي والأميركي، واستهدافًا عسكريًّا متكررًا للقواعد الأميركيَّة في سوريا وللمصالح الأميركيَّة في العراق؛ إلى جانب الاحتقان الشديد بين قوات قسد (قوات سوريا الديمقراطيَّة، التي تديرها قوات YPG الكرديَّة الانفصاليَّة، وتضم عشائرَ عربيَّة في الحسكة والرقة ودير الزور)، والمتزامنة مع عمليات تركيَّة لا تكاد تنقطع لتصفية العناصر الانفصالية التابعة لقسد وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وقوات حماية الشعب الكردي (YPG)، التي تعدُّ العمود الفقري لقوات(( قسد )) الانفصالية المدعومة أميركيًّا في شرق الفرات. 

وفي هذا الاتجاه نشرت صحيفة ((فزغلياد)) الروسيَّة تقريرًا تناول التوتر الروسي الأميركي في سوريا، جاء فيه (أن الولايات المتحدة نقلت معداتٍ عسكريَّةً ولوجستيَّةً، كانت موجودةً داخل العراق إلى قواعدها في 

سوريا)). 

ونسب الموقع الروسي لمصادر بفصائل المعارضة السوريَّة قولها (إن قوافلَ عسكريَّةً أميركيَّةً قادمةً من العراق عبرت منفذ الوليد الحدودي ودخلت محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا)، مشيرا إلى (أن تلك القوافل ضمّت مدرعاتٍ عسكريَّةً وعددًا كبيرًا من الجنود الأميركيين)). 

كما نُقل عن المصادر نفسها قولها ((إن عدد الجنود الأميركيين في سوريا ارتفع من 500 جندي إلى 1500 منذ 15 يوليو/ تموز2023)). 

ووفق ((فزغلياد))، فإنَّ ((جزءا من تلك القوات يتولى مهمّة تدريب المقاتلين الأكراد من قوات سوريا الديمقراطية، في حين يتولى جزءٌ آخر حماية المطارات وحقول النفط والغاز في الحسكة ومحافظة دير الزور المجاورة)). 

ويشير مُعِد التقرير ((رافائيل فخروتدينوف)) إلى ((أن تعزيز واشنطن وجودها العسكري في سوريا، يأتي في إطار تصاعد الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا في المنطقة)). 

كما يشير إلى ((أن الخبراء يرون أن حشدَ مزيدٍ من القوات الأميركيَّة في سوريا، يأتي في إطار رغبة واشنطن في الضغط على موسكو)).

 ووفق التقرير، فقد كشف العميد ((أوليغ غورينوف))، نائب رئيس ((المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا))، عن ((اقتراب طائرة مسيّرة تابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بشكلٍ خطيرٍ من طائرات القوات الجويَّة الروسيَّة في منطقة 

الباب)). 

وقال العميد الروسي ((إن الطيارين الروس تعاملوا مع الوضع باحترافيَّة واتخذوا الإجراءاتِ اللازمة في الوقت المناسب، لمنع الاصطدام بالطائرة 

المسيرة)).

 واستعرض التقرير مظاهر عديدة للتوتر الأميركي الروسي في سوريا خلال الأشهر الأخيرة، وأشار إلى ((أن القيادة المركزيَّة الأميركيَّة تزعم أن قوات الجيش الروسي في سوريا تقوم بمناورات غير آمنة وتفتقر إلى المهنيَّة)). 

ونقل عن ((جويل روبين))، نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركي السابق في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، قوله ((إن قدرة الولايات المتحدة على احتواء السلوك الروسي في سوريا محدودة، وترجيحه استمرار روسيا في اختبار صبر الولايات المتحدة، خاصةً بعد انقطاع الاتصال بين البلدين بسبب الصراع في 

أوكرانيا)). 

ووفق الموقع الروسي، فقد نقلت صحيفة ((ديلي إكسبريس)) موخرًا عن مسؤول كبير في البنتاغون قوله ((إن الولايات المتحدة تدرس الرد عسكريًّا على الوجود الروسي في الأجواء السوريَّة وسط زيادة حدة التوتر بين 

الطرفين)). 

وعن أسباب تصاعد التوتر بين الطرفين الأميركي والروسي في الساحة السوريَّة، نقل الكاتب عن ((كيريل سيمينوف))، الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، قوله ((بشكلٍ عام، تخشى الولايات المتحدة هجمات الجماعات الموالية لإيران على المنشآت العسكريَّة الأميركيَّة في سوريا، غير أنني أرى الزيادة (في الجنود الأميركيين) بمقدار 3 أضعاف في وحدة تدريب المقاتلين الأكراد غير 

ضرورية)). 

ويضيف سيمينوف: ((إذا تحدثنا عن المنطقة التي يتوقع الأميركيون أنْ تشهد صراعًا، فإنَّ مدينة القامشلي في شمال شرق سوريا هيَّ الاحتمال الأرجح، نظرًا لوجود القوات الموالية لإيران هناك، وكذلك التشكيلات الكرديَّة، فضلًا عن قاعدةٍ عسكريَّةٍ روسيَّةٍ على أرض المطار المحلي، ونقاط التفتيش الروسيَّة المنتشرة في المنطقة كلها. 

وفي حال حدوث أي استفزازٍ من أي طرف، فإنَّ جميع الاحتمالات ستكون واردة)). بدوره، يقيِّم ((فلاديمير فاسيليف))، كبير الباحثين في ((معهد الولايات المتحدة وكندا)) التابع ((لأكاديمية العلوم الروسية))، الوضع بشكلٍ مختلف، فيقول ((الولايات المتحدة تُحارب على عدة جبهات، وفي الوقت الراهن، تنظّم هجماتٍ على روسيا بأيدي الأوكرانيين. 

ولكن إذا استمر الفشل على هذه الجبهة، واستمرت السياسة الخارجيَّة للولايات المتحدة في التدهور ولم يأتِ الهجوم المضاد بأي نتيجة، فإن أميركا قد تلجأ إلى خطةٍ احتياطيَّة تتعلق 

بسوريا)).

 ويتابع الباحث الروسي ((يبدو أن واشنطن قررت العودة إلى الساحة السوريَّة بعد تمرد بريغوجين، وتتوقع تصعيد الوضع في سوريا، مما يجبر القوات المسلحة الروسيَّة على التدخل. إضافةً إلى أن إدارة بايدن تحتاج إلى تحقيق بعض الانتصارات قبل الانتخابات الرئاسية الأميركيَّة)). 

لكن الخبير الروسي ((مالك دوداكوف)) لديه وجهة نظر مخالفة لما سبق، إذ يرى ((أن واشنطن لا تسعى للضغط على موسكو في سوريا))، ويشير إلى أن ((هناك أصواتًا في إدارتي كل من بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب ما فتئت تنادي بانسحاب القوات الأميركيَّة من 

سوريا)). 

ويرى دوداكوف أن ((نشوب أي اشتباكات بين القوات الأميركيَّة والروسيَّة في سوريا إذا حدث فسيكون من قبيل الصدفة، ويستبعد احتمال تخطيط الولايات المتحدة عمدًا لاستفزاز روسيا في بلد ستراتيجي مثل سوريا)).