مجالس المحافظات وجهة نظر عصريَّة

آراء 2023/09/17
...

 حسين الذكر


في الأنظمة المتحضرة عادةً ما تكون السلطات المحليَّة أو الأنظمة المجتمعيَّة غير خاضعةٍ ولا مرتبطة بشكلٍ دائمٍ ومباشرٍ بالمنطق الحزبي والسلطوي القائم.. فهي تنفصل وتستقل بشكلٍ ما عن القوى الأخرى، لا سيما أثناء الانتخابات أو الأزمات السياسيَّة والصراعات والحروب والكوارث، تعمل جنبًا إلى جنبٍ مع بقيَّة منظمات المجتمع المدني، وأغلبها ذات طابع خدمي لا تتدخل بأمور سياسيَّة، فصلاحيتها متكاملةٌ غير منقوصة في تقديم الخدمات ولا تخضع لمنطق التحزب والمناهج الضيّقة، إذ تبقى حبيسة الأفكار الخلاقة المدنية، لحل المشكلات التي تعتري وتحيط بالمدن والمجتمع. 

لا يقصد أنها مستقلّة بشكلٍ كاملٍ تدير نفسها بنفسها كمملة غير خاضعة لدستور البلاد وتعليماته وقراراته ولا هيَّ تمارس دور حكومات تصريف الأعمال فحسب. بل هي مؤسسات همّها الأول والأخير عمراني خدمي بشقيه التحتي والفوقي.. وتبقى عاملة لما به خير البلاد، ومن أولوياتها استمرار عمل المؤسسات، التي تقدم خدماتٍ مباشرةً وتُدار من قبل كفاءاتٍ وطنيَّةٍ ذات اختصاصاتٍ معيّنةٍ قادرةٍ على العمل، ولا تخضع لأيِّ معيارٍ طائفيٍّ أو حزبيٍّ أو عشائريٍّ أو قوميٍّ أو ديني.. لذا فتحرص الدول المتحضرة على أن يكون العاملون في مجالس المحافظات مستقلين قدر الإمكان، ويتمتعون بفكرٍ خلاق وصلاحياتٍ واسعةٍ واختصاصاتٍ خدميَّةٍ تحتاجها المدن والمجتمع بشكلٍ غير منقطع. هنا لا نتحدث عن حلمٍ طوباويٍّ أو نضرب مثلًا في بيئة خيالية.. بل إن أغلب المدن المجاورة والقريبة الإسلامية والعربية من العراق، خاضعةٌ لهذا المنطق ولا يتغير بتغير الحكومات والأحزاب إلا موظفٌ واحدٌ أو أكثر، ويكون على رأس إدارة المجالس المحليَّة كرد فعلٍ انتخابيٍّ طبيعيٍّ أو حكوميٍّ، يتعلق بسوء أداء الموظف السابق أو لتزويد المجالس بقدراتٍ وطاقاتٍ بشريَّة خلاقةٍ قادرةٍ على تلبية الطموح والأهداف المرسومة.  

فعلى سبيل المثال في العراق يجب ألّا تبقى واجبات مجالس المحافظات محصورة بتزويد المواطنين بتأييد سكنٍ كحلقةٍ زائدةٍ ينهض بها غيرها.. بل يجب أن تتولى - على سبيل المثال - مراقبة وتنظيم وحلِّ أزمات المرور وتبليط الشوارع، ووضع الإشارات المروريَّة وفتح شوارع ووضع خططٍ بديلةٍ مع الجهات المعنيَّة لمعالجة أي خلل.. ووضع حلولٍ جذرية لمسألة “التكاتك والدراجات النارية”، التي أصبحت مرضًا مجتمعيًّا خطيرًا جدا، ويحتاج لعملية تنظيمٍ حقيقي. كذلك متابعة ومراقبة الكازينوهات والكوفيهات وتنظيم عملها وساعات الفتح والإغلاق ومن يدخل بها وما يبث ويُباع يشترى ويتداول فيها.. غير ذلك من ملفات التعليم والصحة والأمن والشباب والرياضة والكثير الكثير.. ما يعدُّ منجمًا وطنيًّا لقوى حبتنا بها السماء وآن لنا أن ننظمها بالشكل المطلوب.