أ.د. عماد مكلف البدران
حينما ينظر لنا المصنف العالمي يجدنا وجودتنا التي لهثنا وراءها لا شيء يذكر على أرض الواقع، وإن ما يناسبنا هو درجة الصفر، لأننا صنعنا مع الأسف مجتمعا جاهلا، وربما مصممٌ على الجهل، ومثل هكذا حاضنة تقدم صورة بائسة لواقع تعليميٍّ متحجرٍ متخلفٍ، فجامعاتنا تريد تنفيذ الجودة، وتتبنى طروحاتها الحديثة المتسارعة، لكن مرتكزاتها ضعيفة فما زال التعليم الحكومي والأهلي يعاني من عدم توافر المرافق اللازمة لإتمام عمليَّة الجودة
في 15 آب 2023، صدر تصنيف شنغهاي العالمي للجامعات، الذي يعتمد معايير دقيقةً في تصنيف الجامعات على أساس مدخلاتها ومخرجاتها، أي ما تنتجه من نوعٍ يشير إلى المتقدم علمياً ومهنياً وفي بُعدٍ آخر نفسياً وسلوكياً تربوياً، فضلاً عن الكم الهائل النوعي للبحوث العلميَّة الرصينة، التي تعتمد أحدث النظريَّات وتواكب التطور، وتحدث ثورةً في المجالات كافة، لا سيما التقنيَّة ذات المنافع الاقتصادية، التي جنت منها الدول أرباحاً هائلةً وكبيرةً، وساعدت بتقدم البشرية ونقلت الحضارة نقلاتٍ سريعةً بقفزاتٍ نوعيَّةٍ، ذللت الصعاب وانشأت الصروح ووصلت إلى أبعد الكواكب، كل ذلك بفعل دقة العمل وجودته ومتابعة الطروحات والنظريات الحديثة، بعيداً عن التزويق والتلميع والدعايات الكاذبة والإعلام المبالغ، فقد اعتمدت أسس الجودة، ووضعت تفصيلات دقيقة استهدفت تقدم الحضارة، وما في جوفها من مدنية ناهضة من عمرانٍ ومدنٍ عصريَّةٍ ذكيَّةٍ وتطوير قطاعاتٍ كبيرةٍ ومهمةٍ مثل الموانئ والمصانع والمنشآت العملاقة، وهكذا تقدم الاقتصاد بدعمٍ من الجامعات، لتنعم البشريَّة باستقرار معرفي أوجد حلولاً لأعقد المسائل وأدقّها، لا سيما في مجال الطب، وعند هذه الحدود يكون مغزى كلامي فقد بدأت الجامعات العراقيَّة بتبني مبادئ الجودة، عندما أخذت تجمع شتات أمرها بعد مدة من الانقطاع الحضاري والعلمي والثقافي مع العالم على إثر الحصار الاقتصادي، الذي أرجع بلدنا إلى قرونٍ من التخلف، وحينما قرر المسؤولون الأخذ بمستلزمات الجودة العالميَّة ومتطلباتها بدا العمل متخبطاً، ثم تفادوا نوعاً من الأخطاء مع الإفادة من ملاحظات الخبراء الدوليين والبعثات العديدة، التي ذهبت تبحث عن الطرائق السليمة والعلميَّة للجودة، والتي من خلالها تنهض جامعاتنا، وتتطور لتتطور مخرجاتها، وعلى الرغم من الإخفاقات العديدة، إلا أنَّ تقدماً ملموساً وبسيطاً حدث، ولأن ظروف العراق السياسيَّة والأزمات العديدة، التي مرَّ بها البلد قد أسهمت بتعطيل مشروع النهوض في الواقع الجامعي، فقد احتجنا بين الحين والآخر إلى إعادة تنظيم، لكنّها لم تفلح إلى الآن في إدخال جامعاتنا إلى التصنيف العالمي وظلّت قيادات وزارة التعليم والجامعات تلحُّ على العمل بمتطلبات الجودة من دون فائدةٍ تُذكر، وأصبح التركيز منصباً على التصنيفات الالكترونيَّة وكيفيَّة رفع تصنيفنا إلكترونياً من خلال النشر في المجلات العالميَّة، ذات التصنيف البارز، وعلى رأسها موقع (سكوبس) وراح التدريسيون ينشرون وينشرون من دون أيِّ فائدة وتراجعت حالة العلم ومتبنياته البحثيَّة ومخرجات الجامعات، التي اصبحت كماً وليس
نوعاً.
فقد اختفت الحلول العلميَّة التي تنتشل الواقع وتغيّره، وأعتقد أن الجودة في جامعاتنا انهارت؛ بسبب أن الوعاء المحتضن لها ما زال بدائياً للغاية فلم تستطع إيجاد مجتمعٍ متقدمٍ يتبنى حضارةً تواكب التقدم، فما زلنا نراوح، ولم تظهر إلى وقتنا هذا المدن المتطورة والمشاريع العملاقة، التي تنقلنا إلى مصاف الدول المتقدمة، أو تضعنا في أقلّ تقديرٍ عند أعتابها، وهو دليلٌ أن مخرجات جامعاتنا ما زالت محدودةً وليست فعّالة، فلم تنتج حرِاكاً علمياً تكنولوجياً متطوراً ينتشل المجتمع من الجهل ويدفعه باتجاه المدنية، لذلك نخرج من التصنيف العالمي، لأننا لم نستطع تحديد موقعنا من التطور وما زلنا نخوض بفوضى عارمة، حينما ينظر لنا المصنّف العالمي يجدنا وجودتنا التي لهثنا وراءها لا شيء يُذكر على أرض الواقع، وأن ما يناسبنا هو درجة الصفر، لأننا صنعنا مع الأسف مجتمعاً جاهلاً، وربّما مصمماً على الجهل، ومثل هكذا حاضنة تقدم صورةً بائسةً لواقعٍ تعليميٍّ متحجرٍ متخلّفٍ، فجامعاتنا تُريد تنفيذ الجودة، وتتبنى طروحاتها الحديثة المتسارعة، لكن مرتكزاتها ضعيفة فما زال التعليم الحكومي والأهلي يُعاني من عدم توافر المرافق اللازمة لإتمام عمليَّة الجودة مثل المساحات والأبنيَّة المتطورة الضرورية لإنجاز الطفرات النوعيَّة، التي تمنحنا تصنيفاً عالمياً وكلُّ ذلك بسبب استشراء
الفساد.