أحمد الشطري
في كل عامٍ تُخصَّصُ لوزارة الصحة مبالغ كبيرة، وهي جديرة بهذه التخصيصات لما لها من أهمية في حياة الناس وتقديم الخدمات التي تسهمُ في الحفاظ على صحة وسلامة الإنسان والمجتمع، ومع هذه التخصيصات الضخمة والأعداد الكبيرة من العاملين في الصحة من أطباء وملاكات من مختلف الاختصاصات يفترض أنْ تقدمَ أفضل الخدمات والعلاجات، وأنْ تكون لدينا مستشفيات ومراكز صحيَّة بأعلى المواصفات، بيد أنَّنا وللأسف الشديد نجد أنَّ الواقع هو عكسُ ذلك، فمستشفياتنا بائسة من حيث النظافة والقدرة الاستيعابيَّة والأدوية المقدمة للمرضى، والحيز الذي يشغله المريض والذي لا يوفر أي خصوصيَّة له، والازدواجيَّة في التعامل مع المريض من قبل الأطباء الاختصاص الذين تجدهم يرتدون وجوهاً أخرى في عياداتهم الخاصة، وفي المستشفيات الخاصة التي يجرون فيها العمليات أو يعالجون فيها مرضاهم.
إنَّ الفارق الكبير بين الخدمات التي تقدمها المستشفيات الخاصة وملاكاتها، وبين المستشفيات الحكوميَّة وما يقدم فيها من خدمات، أمرٌ يثير الكثير من الريبة والتساؤل، ومع هذا الفارق الكبير يجد المريض نفسه مضطراً إلى دفع أموالٍ ربما تكون فوق استطاعته من أجل أنْ يحظى برعاية وعناية تليقان به كإنسان.
لقد عُدَّتْ مهنة الطب واحدة من أهم المهن الإنسانيَّة التي تنظر إلى الإنسان كقيمة عليا مهما كانت مكانته في المجتمع، وكان وما زال الطبيب يقسمُ بذلك القسم الأبقراطي المعروف الذي تمَّ تعديل بعض فقراته بالقسم الإسلامي. وأيّاً كان نوع القسم فهو يحثُّ على تقديم أفضل الخدمات ومراقبة الله في شرف المهنة وواجباتها، بيد أننا نجد أنَّ العديد من الأطباء قد أعماهم حبُّ المال، فأصبحت الازدواجيَّة صفة ملازمة لهم في تعاملهم مع المريض وأسلوب تقديمهم الخدمة له بين الخاص والحكومي.
إنَّ الأعداد الكبيرة التي تعجُّ بها المستشفيات ودوائر الصحة من الموظفين والأطباء والتي تكلف الدولة مبالغ ضخمة كرواتب لا تتناسب بأي صورة مع الخدمات المقدمة للمواطن، وليس معنى هذا أنَّ ثمة فائضاً في عدد الأطباء والموظفين، بل هي أقل من النسب المقررة في دول العالم المتقدم، ولكنَّ الخلل في تنظيم العمل ومراقبته والحرص على إتمامه بالوجه الذي يجب أنْ يكون عليه.
ولعلَّ هذا الأمر هو ما أدى إلى ازدهار ورواج المستشفيات الخاصَّة مع أنَّ الأيدي العاملة فيها أقل مما هي عليه في المستشفيات الحكوميَّة، لكنَّ الفرق يكمنُ في الحرص على تقديم الأفضل نتيجة المراقبة والمتابعة والتنظيم. رغم أنَّ الخدمات في مستشفياتنا الخاصة هي أردأ مما هي عليه في المستشفيات الخاصة للدول المجاورة، أو الدول التي غالباً ما يلجأ لها المرضى من العراقيين.
ولعلَّ ما يدعو للعجب والغرابة أنْ يلجأ مريضنا لهذه الدول مع أنَّ الأطباء العراقيين عرفوا بكفاءتهم العالية عالمياً، لكنَّ الخلل يكمنُ في افتقار مستشفياتنا إلى الأجهزة المتطورة التي لن تكلف الدولة أكثر مما تكلفها عملية استنزاف العملة الصعبة التي تذهب إلى تلك الدول لغرض علاج أولئك المرضى.
إننا بلا شك بحاجة إلى وقفة جادة ومراجعة حتميَّة لمعالجة هذه الاختلالات في جانب الرعاية الصحيَّة، مع الإشارة التي لا بُدَّ منها الى أنَّ هناك الكثير من الأطباء وذوي المهن الصحيَّة الشرفاء والحريصين على أداء واجباتهم على أكمل وجه، ولعلَّ الكثير منهم كانت لهم وقفتهم المشهودة والمقدّرة إبان جائحة كورونا، والتي ذهب من جرائها العديد منهم شهداء واجبهم الإنساني المقدس.