نتغنّى بالأبطال.. ونتجاهلهم

الرياضة 2023/09/18
...

علي رياح

لم تحصل النيبال في أسياد غوانجو 2010 إلا على ميدالية برونزية واحدة حققها الملاكم ديباك مهارجان في وزن 81 كغم.. ومع هذا رأينا البلاد تحتفل بالبطل من أقصاها إلى أقصاها وتستقبله في مطار كتماندو استقبال الأبطال المحررين، ثم رأيناها وهي تضع له برنامجاً احتفالياً يطوف فيه بلاد الهملايا والإيفرست من أقصاها إلى أقصاها.. بينما كانت القنوات التلفزيونية تقطع بثها بين الحين والآخر لتنقل مشاهد حيّة عن استقبال الناس له، وفرحتهم به، وإدخالهم إياه في بيوتهم الصغيرة التي كانت عامرة بالفرح الذي صنعه..
وفي بلاد تتغنّى بالبطولة والأبطال على مدى آلاف السنين، مثل بلادنا العراق، لم ينل أبطال غوانجو الثلاثة، في حينه، إلا الإهمال والنسيان.. وأجزم بأن الكثرة الغالبة من العراقيين لم يكونوا قد تعرّفوا حتى على وجوههم.. ولم يظهر على أعمدة الصحف وفي الفضائيات من يتحدث عن (تقييم حقيقي) يناسب ما أنجزه عدنان طعيس وعلي ناظم وحيدر نوزاد في الصين حين ارتقوا منصة التتويج مثل الفرسان في لحظة كنا قد فقدنا فيها الأمل في حصول أي رياضي عراقي على إنجاز آسيوي.
نحن على أبواب دورة الألعاب الآسيوية التاسعة عشرة في الصين، ولكن هذه المرة في هانغتشو، وقد مرّت ثلاث عشرة سنة على المشهدين المتباعدين في النيبال والعراق. في بلاد لم تعرف الرياضة بجذورها وأصولها مثل النيبال يضعون حامل البرونزية الوحيد في حافلة عملاقة مكشوفة ليجوب البلاد وينال صنوفاً لا حصر لها من التكريم.. وفي بلادنا لم تكن هنالك قيمة للمبدع، ولا دالة لأي إنجاز، ولا حساب للمقصرين الذين أنفقت عليهم المليارات من أموال البلد وكانت النتيجة أن أغلبهم اعتذر حتى قبل أن تبدأ تلك الدورة، بينما ذهب الجزء المتبقي الذي امتلك بعض الجرأة والمصداقية ليحصد الخيبة والفشل في الدورة الآسيوية.
سنعيد الكَرّة مجدداً في الدورة الآسيوية بنسختها الوشيكة، ونحن نتقلّب بين حسابات من سيتفوق ومن سيصاب بالخيبة، أي الألعاب ستضع الرياضة العراقية في واجهة المشهد الآسيوي وأيّها ستذهب لمجرد السفر والترويح ورفع الشعار المزمن (المشاركة لأجل المشاركة أو اكتساب الخبرة)، وهو شعار مقيت لم تعد حتى الدول الصغيرة المنزوية في ظل الكرة الأرضية تتعاطاه أو تتعامل به.
في آخر ظهور لنا في الدورة الآسيوية في جاكارتا 2018، احتل العراق الترتيب السابع والعشرين على لائحة حصاد الدول المشاركة وقد نال ذهبية واحدة وفضيتين، وقد سبقته في الترتيب ست دول عربية هي البحرين وقطر والإمارات والكويت والأردن والسعودية.. وفي ظل الجدب الذي أصاب كثيراً من الألعاب الرياضية نتيجة الإهمال الرسمي الشديد وتغلغل الضغوط والتدخلات والمحسوبية والمنسوبية حتى إلى الألعاب التي كان يشتهر بها العراق عربياً وآسيوياً، أخشى أن يكون مثل ذلك الترتيب عسيراً علينا هذه المرة وفقاً لمتوالية الهبوط دورة بعد أخرى، وعهداً بعد آخر.
صورة غريبة أختم بها، لن تجدها إلا في العراق.. فبعض الألعاب التي تغترف الموازنات المالية الرياضية لا تنافس وربما لا تشارك أصلاً في الدورات المهمة، وهي أكثر تقديراً لدينا ممن يخوض معمعة المنافسة بحثاً عن إنجاز.. وحين يأتي بالإنجاز نتناساه بكل السبل المتاحة.