الأطفالُ الجنود

آراء 2023/09/20
...

ميادة سفر

يتعرض الأطفال لأشكالٍ كثيرةٍ من الاستغلال بحكم الظروف المحيطة بهم أو بسبب صغر سنهم وقابليتهم للانقياد والسيطرة عليهم، ولعلَّ أبرز مظاهر الاستغلال، التي انتشرت في السنوات الأخيرة خصوصاً في البلاد التي تعرضت للحروب، ظاهرة تجنيد الأطفال للقتال لصالح أطراف النزاع المسلح، باستخدامهم جنوداً تارة أو دروعاً بشريَّة تارة أخرى، حيث يتم تدريبهم على القتال وحمل السلاح أو تحضيرهم للقيام بأعمال انتحارية من قبل التنظيمات الإرهابيَّة.
لم يقف الحال هنا، ولا اقتصر الأمر على التجنيد المسلح للأطفال وما قد يتعرضون له من خطرٍ جسدي ونفسي وعنفٍ متعدد الأشكال، بل تعداه إلى استخدامهم وسائل وأدوات للتأثير على الرأي العام في العالم، إذ تراهم بين المتظاهرين الذين يرفعون شعارات المدنية والسلمية، يتصدرون الصفوف الأولى أحياناً، حتى باتوا جزءًا لا ينفصل عن أيَّ تحركٍ مؤيدٍ أو مناهضٍ للحكومات، يزجُّ بهم في التحركات ويحملون لافتات ويرددون عبارات لا يدرون معانيهم وأهميتها وجدواها، تلتقط لهم الصور وتنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويسوق وجودهم في العالم والمحافل الحقوقيَّة الدوليَّة في محاولةٍ من قبل الكبار لنيل مطالبهم عبر أولئك الأصغر سناً ممن قد يغيرون آراءهم، حين يبلغون سن الرشد ويتمكنون من محاكمة ما يجري من حولهم، هؤلاء المستغلون للطفولة، وهم ينادون بحقوق الإنسان يضربون بهذه التصرفات عرض الحائط بحق الطفولة، متناسين عمداً أو جهلاً القوانين الدولية، التي تطالب بحقوق الأطفال وتشدد على عدم زجهم في النزعات.
نصت المادة 77 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جينيف لعام 1977 على: “ إلزام أطراف النزاع باتخاذ جميع التدابير الممكنة التي تكفل عدم اشتراك الأطفال، الذين لم يبلغوا سن الخامسة عشرة في النزاعات المسلحة بصورةٍ مباشرة، وعلى الأطراف الامتناع عن تجنيد هؤلاء الأطفال...”.
إلا أنّ تلك المادة وغيرها من المواد والقوانين والاتفاقيّات الدوليَّة لم تحل دون تجنيد الأطفال حول العالم، وإشراكهم في القتال واستخدامهم لترويج مطالب الكبار وتحقيقها، ويمكن للمتابع للأحداث الجارية في البلاد العربية أن يلاحظ التزايد الكبير في أعداد الأطفال أثناء الحروب والنزاعات، من سوريا والعراق إلى اليمن والسودان، حيث يتصدر الطفل المشهد حاملاً بندقيةً أكبر منه حيناً أو ممتشقاً لافتة تتجاوز طوله، يصرخ ويندد ويطالب من دون أن يمتلك بعد الوعي الكافي للإلمام بما يقوم به أو إدراك معانيه.
إنّ اشراك الأطفال في حروب الكبار العسكريَّة والسياسيَّة لا يعرضهم فقط للخطر الجسدي، بل يتعداه إلى الخطر النفسي والمعنوي، فضلاً عن حرمانهم من التعليم وتلقي الرعاية الصحية مما يؤثر في مستقبلهم، عدا عن تعرض العشرات وربما المئات للاغتصاب بما هو شكل من العنف الجنسي، الذي يتعرض له الأطفال ذكوراً وإناثاً أثناء النزاعات المسلحة وتلك السلمية، أمام كل تلك الأخطار والمخاطر التي يعانيها الأطفال، لندعهم جانباً بمنأى عن خلافاتنا ومشاكلنا، ولنترك لهم طفولتهم قبل أن تنتهك، ولنحمّلهم حقائبهم المدرسية وكتبهم وأحلامهم البريئة بدل البنادق واللافتات.