مآلات المباحثات الإيرانيَّة الأمريكيَّة
محمد صالح صدقيان
تشير جميع المؤشرات إلى أن الخطوة الأولی لتنفيذ الصفقة، التي تمّت بين الجانبين الإيراني والأمريكي برعاية عُمانيَّة تسير بشكلها الطبيعي كما تمَّ الاتفاق عليه؛ وأن الإسبوع الجاري هو الموعد لتبادل المعتقلين بين الجانبين بعد الإفراج عن الودائع الإيرانيَّة المجمّدة في كوريا الجنوبية البالغة 6 مليارات دولار، ووصولها إلى الحسابات الإيرانيَّة في البنوك القطريَّة.
هذه الخطوة تأتي عشية استحقاق تشرين أول / اكتوبر 2023 الذي ورد في الاتفاق النووي الموقع عام 2015، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة، والذي يتزامن مع تنفيذ الصفقة الإيرانيَّة العمانيَّة، التي يشار لها أنها لن تتوقف عند حد الخطوة الأولی وإنما ستتبعها خطواتٌ ربّما تناقش القضايا العالقة بين الجانبين، استنادًا علی المبادرة التي قام بها سلطان عمان هيثم بن طارق لتحريك المفاوضات بين طهران وواشنطن.
هذا الاستحقاق هو الذي أسماه الاتفاق النووي «يوم الانتقال»، الذي ترفع فيه العقوبات علی التسليح الإيراني؛ في الوقت الذي تحدث وزير الخارجية الإيراني امير عبد اللهيان عن «وثيقة سبتمبر»، التي اشار فيها للمسودة التي توصل اليها الجانبان الإيراني والأمريكي في سبتمبر من العام الماضي 2022 دون أن يعطي المزيد من التفاصيل؛ لكن مباحثات عُمان غير المباشرة بين طهران وواشنطن، التي توصلت لصفقة تبادل المعتقلين تشي إلى وجود تفاهمات غير معلنة رُحلت إلى المرحلة القادمة بغية «اختبار النوايا» للدخول بمفاوضات جديدة الهدف منها كما يخطط لها الإيرانيون إزالة العقوبات مقابل تحييد البرنامج النووي الإيراني كما يريده الأمريكيون؛ إضافة إلى قضايا إقليميَّة اختلفت حولها التكهنات بسبب عدم وجود مصادر رسميَّةٍ أمريكيَّةٍ أو إيرانيَّةٍ تحدثت عنها
بشفافية.
اللافت في هذه الأجواء زيادة المطالبات بإجراء مفاوضاتٍ مباشرةٍ مع الجانب الأمريكي للتوصل لاتفاق يزيل العقوبات، لكن مثل هذه المطالب تصطدم مع عزم المرشد الأعلی الإمام علي خامنئي عدم إجراء أية مفاوضات مباشرة، إلا بحال عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي؛ حيث يعتقد أن الجلوس بشكلٍ مباشرٍ أمام الأمريكي لن يكون لصالح إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وفرض عقوباتٍ غير مبررة علی إيران كلفت إيران الكثير من الخسائر الاقتصاديَّة.
ومن المنتظر أن يعقد وزراء خارجية إيران ومجموعة 1+4 وهي المانيا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين اجتماعًا تشاوريًّا علی هامش اجتماعات منظمة الأمم المتحدة في نيويورك الشهر الجاري؛ وربّما استكملت المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن. إلا أن بعض السياسيين الإيرانيين يطالبون بعقد مفاوضات مباشرة مع الجانب الأمريكي، حيث اعتبر حسين موسويان الذي كان بعهد الرئيس الإيراني الاسبق محمد خاتمي كبير المفاوضيين مع الجانب الغربي؛ أن تشكيل الجمعيَّة العموميَّة لمنظمة الامم المتحدة فرصة جيدة لبدء مفاوضات مباشرة مع الجانب الأمريكي، ليتم عقد اجتماع لمجموعة 5+1 بعد قبول الولايات المتحدة العودة لهذه المجموعة.
ويضع موسويان خارطة طريق لوضع حد للتخاصم الذي استمر 4 عقود بين طهران وواشنطن، معتقدا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن استعاض الاتفاق النووي بسياسة مرحلة انتقاليَّة قصيرة لـ «ادارة الازمة» في إطار «لا للاتفاق لا
للأزمة».
وفي الحقيقة فإن إدارة الرئيس جو بايدن تعتقد أن انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي وعودة العقوبات علی إيران جاء في إطار «خاسر خاسر»، لأن الولايات المتحدة فشلت في تحقيق أهدافها مع إيران، التي نجحت برفع نسبة تخصيب اليورانيوم من 3.67 بالمئة إلى 60 بالمئة؛ وأن كل العقوبات والعمليات التخريبيَّة واغتيال العلماء النوويين لم تنجح من الوقوف أمام تقدم البرنامج النووي الإيراني؛ إضافة إلى أنَّ إيران سرّعت من وتيرتها للاستدارة نحو الشرق بالانضمام لمنظمة شنغهاي ومجموعة بريكس وعززت تعاونها مع روسيا، خصوصا في المجال العسكري.
وعلی الرغم من عدم جود معلوماتٍ شفافة بشأن نتائج مباحثات عُمان، إلا أنَّ موسويان يكشف عن ثلاث نقاط تم الاتفاق عليها بين طهران وواشنطن بوساطة عمانيَّة
وقطريَّة.
أولا: إيران لن ترفع نسبة تخصيب اليورانيوم اكثر من 60 بالمئة؛ ويتم تبادل المعتقلين 5 من كل جانب، إضافة إلى إطلاق الودائع الإيرانيَّة المجمّدة في كوريا الجنوبية وهي 6 مليارات دولار تخصص لشراء المستلزمات الطبيَّة
والغذائيَّة.
ثانيا: عدم التعرض للقوات الأمريكيَّة المتواجدة في المنطقة مقابل السماح لإيران بيع كميات اكبر من النفط، إضافة إلى إزالة الحظر عن الودائع الإيرانيَّة في العراق حسب ما قال كبير المفاوضيين الإيرانيين علي
باقري.
ثالثا: ينقلها عن مسؤول أوروبي؛ إن الدول الغربية لن تتعاون عسكريا مع إيران، لكنها لا تقف أمام تنفيذ القرار الاممي 2231 ولا تستخدم «آلية الزناد» لعودة العقوبات الدولية في إشارة لاستحقاق 18 اكتوبر 2023 الذي ينهي الحظر علی التسليح
الإيراني.
ويعتقد موسويان الذي قاد المفاوضات مع الترويكا الأوروبيَّة بعهد منسق الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافير سولانا أن هذا الاتفاق المؤقت إيجابيٌّ، لكنه غير مستدام لأسباب ثلاثة:
أولا: قد يدفع اللاعبين الإقليميين والدوليين المتضررين من الاتفاق لمهاجمة القوات الأمريكية، لتسجل باسم الإيرانيين أو أصدقائهم في المنطقة.
ثانيا: إن هذا الاتفاق مرهونٌ بنتائج الانتخابات الأمريكية 2024. وماذا اذا فاز رئيس جمهوري متشدد؟.
ثالثا: إنَّ التاريخ يثبت أن إيران تزيد من وتيرة برنامجها النووي، كلما تعرضت لعقوباتٍ وضغوط ٍمن الجانب الأمريكي؛ وأن واشنطن التي تسير وفق قاعدة «لا اتفاق لا أزمة»، تحاول الحفاظ علی العقوبات لمواجهة الطموحات النوويَّة الإيرانيَّة، ومحاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة.
لكن موسويان الذي يضع هذه المقدمة يريد أن يصل لنتيجة أن لا بديل عن الاتفاق النووي، وأن إحياءه عمليَّةٌ ممكنةٌ، لكنه بحاجةٍ لعاملين أساسيين. الأول؛ مفاوضات مباشرة مع الجانب الأمريكي؛ والثاني الاتفاق مع مجموعة 1+5 علی إحياء الاتفاق النووي استناد علی «وثيقة سبتمبر».
ويدعو موسويان إدارة الرئيس بايدن وضع قاعدة «نعم للاتفاق لا للأزمة» بدلا من قاعدة «لا للاتفاق لا للازمة» من أجل إنهاء حالة «خاسر خاسر»، والتحول لمرحلة تعزيز الثقة ومناقشة القضايا العالقة بين
البلدين.
ويستمر موسويان بخارطته التي يرسمها بدعوة نواب الكونغرس ومجلس الشوری الإيراني، لفتح مباحثات من أجل التوصل لقواسم مشتركةٍ يمكن أن تحدد طبيعة العلاقة بين البلدين وتحقيق المصالح
المشتركة.
نظريا تبدو هذه الخارطة عملية وتحقق المصالح لكل البلدين وتنهي الصراع الذي طال اكثر من 4 عقود الا انه يصطدم بالواقع الذي يعيشه الداخل الإيراني كما هو في الداخل الأمريكي. فلا الجمهوريون سوف يقتنعون بذلك ولا المتشددون الذين يسيطرون علی مقاعد البرلمان الإيراني مستعدون لخوض هكذا تجربة مع جهة لا تثق بها ولاتثق بوعودها والتزاماتها؛ لكن في نهاية المطاف مثل هذه الافكار ليست بعيدةً عن تفكير عديد الاوساط الإيرانيَّة خصوصا اذا تمت صفقة تبادل المعتقلين وتجاوز الجانبان الأمريكي والإيراني مرحلة «اختبار النوايا» بنجاح.