زهير كاظم عبود
أنهى مجلس الامن الدولي عمل منظمة يونيتاد من مهامها في العراق٬ بعد خمسة أعوام من العمل الدؤوب والمضني في مجال فتح المقابر الجماعيَّة وتحليل الجثث، وكانت الحكومة العراقية هي التي طلبت من المنظمة الدوليَّة المباشرة بمساعدتها للمساهمة بالأعمال الموكلة اليها، وهي أيضا من طلبت إنهاء عملها في العراق، وتركز عمل المنظمة الدوليَّة على فتح المقابر الجماعية وتسهيل إعادة الرفاة إلى أهاليها، والمساهمة في جمع الأدلّة وتقديمها للقضاة والمحققين، وأبدت المنظمة تعاونًا ملموسًا مع الجهات العراقيَّة طيلة فترة عملها، وكانت ممثلة بريطانيا في الأمم المتحدة قد أثنت على طلب حكومة العراق لإنهاء عمل البعثة.
تواجد البعثة ومباشرتها العمل لا يشكلانِ أيَّ موقفٍ سلبيٍّ إزاء السيادة العراقية، ولايؤثر في حقيقة عمل البعثة الدوليَّة تحت إشراف المحقق والموظف العراقي، كما أنَّ الحقيقة التي لا بدَّ أن يعرفها المجتمع الدولي والحكومة العراقية، أن المهام والقضايا التي طلبت فيها الحكومة العراقية من الأمم المتحدة ارسال بعثتها الدوليَّة لمساعدتها في عمليات فتح المقابر الجماعيَّة وتحليل الجثث وملاحقة الإرهابيين لم تنته حتى اليوم، كما أن الأجهزة التنفيذيَّة في العراق لا تتوفر لها الإمكانيات المادية واللوجستية لإنهاء هذه الأعمال لوحدها دون مساعدةٍ دوليًّةٍ وعلمية، فعمليات فتح المقابر الجماعيَّة تتطلب بالإضافة إلى تحديد مكان المقابر إجراء التحاليل العلميَّة الدقيقة للتشخيص ومطابقة العينات المعثور عليها، وانهاء تحليل DNA للجثث المعثور عليها، بالإضافة إلى مساهمةٍ فاعلةٍ ومهمّةٍ في متابعة ملفات الإرهاب وما تولد عنه من نتائج خلفها وتضرر منها اعداد كبيرة من المدنيين ممن تركوا بيوتهم وحقولهم الزراعيَّة وأعمالهم، وسكنوا في مخيمات لا تقيهم من البرد ولا تحميهم من الحر، والعمل على توثيق شهادات الناجين والضحايا وجمع الأدلة، التي تفيد عمليات التحقيق ضد الإرهابيين والقتلة، تمهيدًا لتقديمهم للعدالة وإدانتهم وفق تلك الأدلة المعتبرة.
والاستجابة أصلًا لطلب العراق بإرسال مثل هذه البعثة الدوليَّة يأتي من باب المشاركة الفعّالة ومساندة الحكومة العراقية لدعم استقرارها، والتخلص من الجماعات الإرهابيَّة بشكلٍ نهائي، وهو موقفٌ يدلُّ على الموقف الإنساني والدولي ضد الإرهاب، وأعطى التعاون الوثيق بين عمل المنظمة وبين عمل الفريق العراقي نتائج مثمرة، ولها قيمةٌ ماديَّةٌ في الجوانب التي عملا عليها، لا سيما أنَّ العراق تعرض لهجمةٍ إرهابيَّةٍ دوليَّةٍ وتجاوز مرحلةً خطيرةً من مراحله تعاونت فيها قوى حاقدةٍ وشريرةٍ لإلحاق الضرر الجسيم بشعبه، وألحقت به خسائر ماديَّةٍ ومعنويَّةٍ كبيرة، غير أنَّ ثبات أبناء القوات المسلحة وبالتعاون مع فصائل الحشد الشعبي تصدّت ببسالةٍ وشجاعةٍ لدحر هذه القوى وطردها وتطهير الأرض منها.
نجد أنَّ طلب الحكومة العراقية كان سابقا لأوانه وفي غير محله، كما أن تسرّع المنظمة الدوليَّة بالاستجابة لهذا الطلب وإنهاء عمل البعثة، سيلحق ضررًا أكيدًا بما تبقى من الأعمال التي لم تنجز حتى اليوم، فلم تزل عمليات كشف جثث مقابرنا الجماعيَّة غير مكتملة، كما لم تزل الناس تبحث عن أولادها ومصيرهم، إضافةً إلى أنَّ بقايا التنظيم الإرهابي لم يزل يخرج من بين الحفر والكهوف، ليلحق الضرر بالبشر بين فترةٍ وأخرى، كما أنَّ التعاون على ملاحقة تنظيم داعش الإرهابي ومن ارتكب منهم جناية في جميع اناء العالم لم يتوقف حتى اليوم، وإنَّ الإشارة إلى قضية السيادة العراقيَّة لا تتطابق مع مبدأ المساعدة والمساهمة في عمل المنظمة الدوليَّة، فلم يؤشر أن هذه المنظمة تدخلت بالعمل السياسي أو الدبلوماسي أو الوضع الداخلي أو الأمني، إنما ينحصر عملها في تقديم التقارير والوثائق والأدلّة إلى الجانب العراقي، والذي يعرضها على السلطة القضائيَّة لإصدار ما يلزم بشأنها من قراراتٍ تنسجم مع القانون
العراقي.