نرمين المفتي
صدرت آلاف الكتب بمختلف اللغات، وفي مختلف الدول عن (التخلّف)، فضلا عن آلاف البحوث والدراسات الجامعيَّة، ودائما هناك، خاصة في الدراسات، حلولٌ.. التخلّف وبتعريفٍ بسيطٍ هو عدم التمكن من مواكبة التحضر وفي مختلف المجالات.. وهناك حكومات لا تستطيع مواجهة التخلّف، أما بسبب الفقر الذي تعانيه دولها لقلّة الموارد الطبيعيَّة وعدم وجود خططٍ تنمية، أو بسبب الأفقار الذي ينتجه الفساد والتخبط، وأيضا عدم وجود خططٍ تنمية واضحة. والتخلّف، الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، يؤثر في الفرد الذي يشعر بقهره والظروف لا تفسح مجالا له لتغيير واقعه. ويدفع الشعور بالقهر صاحبه إلى العنف مع الاخرين عامة واسرته خاصة أو إلى الاستسلام انا للمخدرات والمؤثرات العقليَّة أو إلى الخرافة.. وهناك حكومات لا تبالي بالتخلّف وايجاد حلول له لادامة فسادها.. والمثل الاكثر ايضاحا هو (دومينيك كوندييه)، واحد من اغنى اغنياء الكونغو، البلد الأفريقي الذي يزخر بالثروات الطبيعيَّة ويقبع اكثر من نصف سكانه البالغ عددهم 100 مليون عند خط الفقر وربعهم تحت خط الفقر وتعتبره منظمات الشفافية الدولية من بين 10 دولٍ الأكثر فسادًا في العالم. وقبل الإشارة إلى كوندييه، لا بدَّ من الإشارة إلى رئيسه الأسبق موبوتو سيسيكو، والذي كان سببًا في اغتيال المناضل الكونغولي المعروف لومومبا، تمّت الاطاحة به بسبب فساده وإفقار الكونغو وإغراقه بأزماتٍ عرقيَّة وطائفيَّة، وكان قد نهب 5 مليارات دولارٍ خلال 32 سنة من الحكم، بينما كابيلا الذي اطاح به في 1997 نهب 11 مليارا خلال 4 سنوات تقريبا من حكمه كرئيس جمهورية!! والآن بين أثرياء الكونغو، والذين يشكلون نسبةً ضئيلة من السكان، يوجد أفراد شرطة وليس ضباطا، وهؤلاء واجبهم حماية مقالع معدن الكولتان، والذي تعتبر جمهورية الكونغو أهمَّ بلدٍ في تصديره، وتعتمد عليه صناعة الموبايلات، والشرطي طبعا يعطي نسبةً من فساده إلى ضابطه.. ونعود إلى كوندييه، أو «نبي» الكونغو، فالكل يناديه بالنبي صاحب المعجزات!! وتدعمه الحكومة، كما أسلفت، لإدامة الخرافة والتخلّف والانقسامات، والتي تساهم بدورها في إدامة الحكومة مسيطرة على مقدرات الشعب، ويحضر المسؤولون الكبار، اجتماعه مع المواطنين أيام الاحد، ويلقي موعظته ويبدأ باستقبال مريديه وهم بمئات الآلاف، وغالبيتهم مرضى بأمراضٍ مستعصيَّةٍ مثل السرطان والإيدز وشراء العلاج منه، وهو مزيجٌ من عصير الليمون والبنزين والتوابل، لكن أهمَّ مكوناته، كما يدعي كوندييه هو الوحي الإلهي!! وكلُّ مريضٍ يأخذ من وقته 3 ثوانٍ فقط، وهناك دائمًا من يصرخ أمام الكاميرات بمعجزات عصير «النبي»، الذي يعالج كل الأمراض المستعصيَّة، ومؤخرا أكد كوندييه أن عصيره يعيد الحياة إلى الأطفال، الذين يموتون فور ولادتهم أو في أيامهم الأولى! وعصير «النبي» لا يُشرب فقط، إنما يستخدم كمادةٍ مدلكةٍ أيضا للمفاصل والعظام والأطراف المشلولة!! وفي وثائقيَّة تابعتها عنه، جاءه مشلولٌ وسأله هل هذه زيارته الأولى له؟ قال الرجل المشلول لا.. فعاد كوندييه وقال له «اذن استمر بالتدليك».. ولتر العصير بـ 17 دولارًا وهو سعرٌ باهظٌ جدا، لذلك يتشارك 3 أو 4 أشخاصٍ بشراء لترٍ واحد، ليجمع كوندييه «نبي الكونغو» الملايين من الدولارات ويستمر بتوزيع العصير والابتسامات والمواعظ، والفقير الذي لا يجدُّ مهربًا من قهره يلجأ
اليه..