المجتمع ومفهوم الضمير الحي

آراء 2023/09/23
...

 كاظم لفتة جبر 


يمثل مفهوم الضمير الأنا الحقيقيَّة للإنسان، كونه متسلحًا بالمبادئ الأخلاقية والفطرية، وأن أيَّ عملٍ يقوم به الإنسان  يخضع لتقييمه، لذا يمكن عد الضمير بأنه آلةٌ نفسيَّةٌ واجتماعيَّةٌ لمعرفة الحقيقة والحكم عليها. 

كما أن الضمير بعيدٌ عن العمليات العقليَّة والحسيَّة يعمل كمنبهٍ للذات الإنسان يَّة عند قيامها بعمل ما، ويحدث هذا الصوت الداخلي الذي يقلق الإنسان  ويجعله في موضع المتهم، بمجرد التفكير بالخطأ، لذلك تجد الإنسان  عند الكذب تزداد ضربات القلب، بما يمثله هذا الازدياد من ايعاز على الكذب والبُعد عن الحقيقة. 

كما أن المبادئ والمعايير التي تكون الضمير، تنقسم إلى قسمين بعضها فطريٌ حي، والآخر مكتسبٌة مصطنعٌ من خلال البيئة والمجتمع والدين والثقافة والسياسة. فما كان فطريًّا فهو خيّر، وهذا ما أكده الفيلسوف الانجليزي (جون لوك ) في رسالته حول التسامح بأن الناس في الطبيعة والفطرة الاولى يتميزون بالمساواة وتجمع بينهم علاقة طيبة وعفوية.

أما المبادئ الأخرى التي يكتسبها الضمير المصطنع من خلال بيئة المجتمع، فهي متعددةٌ متغيرةٌ في كل زمان ومكان، وتخضع لفكرٍ معيّنٍ يسهم في صبغ مبادئ الضمير بصبغة أيديولوجية، تزيّن الصفات والظواهر السلبية التي تهدم المجتمعات والأمم إلى فكر تطوري تقدمي. وتسعى تلك الأيديولوجيات إلى تثبيت فكرة الغاب، فمن أراد العيش يجب عليه يقبل بتلك الحالة من أجل مصلحته. 

ففي المجتمع العراقي وخاصة ما بعد العام 2003م وبعد الاحتلال والتمازج الثقافي مع العالم، تجد شيوع اللامبالاة وغياب الضمير الحي بين المواطنين، وظهور الضمير المصطنع الذي يعتمد على مجسّات المجتمع الافتراضية، التي يدعمها عالم السوشل ميديا في التواصل الاجتماعي. فالإنسان  في الواقع مغايرٌ لما هو أمام الكاميرا والعالم الافتراضي. 

فالضمير المصطنع له أسبابه، فمن الأسباب التي دعت المجتمع لذلك، شيوع المحاصصة والطائفية، غياب القانون، ضعف الدولة، شيوع الفساد في مؤسسات الدولة، والغش بين الأفراد، غياب الوعي المدني، سيطرة الفكرة المقدسة، تقديس الأفراد والكيانات، انقياد القبيلة والدين بيد السياسي، وغيرها الكثير من الأسباب التي كانت وسائل لتصنع المجتمع. وقد يكون هذا الضمير المتصنع يخدم وجود السلطة وتعمل على شيوعه بين الأفراد. 

وهذه الأسباب أدت لظهور مجتمعٍ متصنعٍ تغيب فيه الفطرة والضمير الحي، لذلك كانت منبهات الضمير لدى المواطن العراقي تعتمد على المبادئ التي اكتسابها من البيئة والمجتمع والدين، وليست على الفطرة الإنسان ية التي تدعو إلى المساواة بين 

الأفراد.

فالمواطن العراقي مرة تجده مواطنًا متديّنا، وآخره سياسي، وبعدها مدنيٌّ تقدمي، وهذا ما أشار له الدكتور الوردي من قبل، في دراسته لازدواجيَّة الفرد العراقي. وهذه الازدواجيَّة أدت إلى فقدان الثقة بين الأفراد، وتفكك المجتمع اجتماعيا، وتعد الثقة هي الأساس في بناء المجتمعات وتقدمها.

وعليه يجب العمل على إعادة الثقة بين المواطنين لإعادة نمو الضمير الحي، ويتم ذلك من خلال تهيئة الأجواء المناسبة من قبل النظام السياسي بمختلف مؤسساته، وأهمها المؤسسات التربويَّة والتعليميَّة، ومؤسسات المجتمع المدني.