محمد شريف أبو ميسم
حين وضع العراق في التسلسل 98 عالميًّا والخامس عربيًّا في قائمة مؤشر السعادة، التي صدرت عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة في آذار الماضي، والتي تعتمد على بيانات المسح العالمية للأشخاص في حوالي 150 دولة، اختلف العراقيون في قبول هذا التصنيف.
وعادة ما يختلف الناس في فهمهم وإراكهم للسعادة تبعا للمستوى التعليمي وظروف الحياة الصحيَّة والمعيشيَّة والمكانة الاجتماعيَّة، وتبعا لأطوار الحياة التي يمر بها الإنسان نفسه، مثلما يختلف بعض المشتغلين في علم النفس في رؤيتهم للسعادة (بوصفها نتائج شعور الفرد بالرضا) عن رؤية بعض المشتغلين في علم الاجتماع القائمة على النظر في ترابط السعادة الفردية بالسعادة العموميَّة.
ولا يعني الاختلاف في معرض التعاريف، ألّا يتفق الناس على مدلولات السعادة، بوصفها شعورًا فرديا، كلا : فهي بإجماع الناس شعورٌ عميقٌ يكتنفه السرور، وبحسب افلاطون (تقوم السعادة على تناغم العناية بالرغبة والعمل على تحصيل ما يشبعها)، ويتفق معه صديقي بائع الفلافل المتجول اذ يرى السعادة في بيع 100 ساندويشة فلافل يوميًّا، لسد حاجات عائلته الأساسية وتحقيق فائضٍ مالي يكفي لشراء علبة بقلاوةٍ للأطفال.
لذلك لا يمكن الجزم أن من يملك الوفرة من الأموال أكثر سعادةً من الفقير، وأن من يتمتع بمكانةٍ اجتماعيَّةٍ راقيَّةٍ أكثر سعادةً من الإنسان البسيط، وقديمًا قيل السعادة هي أن تعيش كل يوم بأملٍ جديد.
ولو ناقشنا المعايير المعتمدة في هذا التصنيف، لوجدنا أن معيار نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي، لا يعكس حقيقة دخل الأفراد في ظل التفاوت الطبقي، لأنه حاصل قسمة الدخل القومي الجمالي على عدد السكان، كما لايمكن الوثوق بمعايير نسبيَّة مثل (الثقة الاجتماعيَّة، والكرم، والحرية) في الاشارة إلى السعادة بشكلٍ احصائي. وقد يكون لمعايير تطور خدمات الصحة والتعليم والدعم الاجتماعي وانخفاض معدلات الفساد دلالاتٌ في تحقيق دولة الرفاه، إلا أنها لا تعكس دلالات السعادة قطعا، لأن نجاح الدول في سياستها الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والتعليميَّة والصحيَّة، يعكس مقدار الازدهار في نموذج الدولة، ولكنه لا يعكس معايير السعادة المرتبطة بالذات لأنها معايير فردية، والدليل هنا، أن دولةً مثل فنلندا وهي تتبوأ الصدارة للعام السادس على التوالي في قائمة مؤشر السعادة، تحتل التسلسل 16 في قائمة حالات الانتحار الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، والتي تضم 104 دول، ما يعني أ ما تطرحه شبكة حلول له بعد آخر، مرتبطٌ بتاريخ تأسيسها في العام 2012، وهو التاريخ الذي دخلت فيه فكرة الاستغناء عن دولة الرفاه موضع التطبيق بعد القضاء كليا على نموذج الدولة الاشتراكيَّة في القارة الأوروبيَّة، فتم احلال مفهوم السعادة بوصفه مفهومًا نسبيًّا قائمًا على معايير غير ملزمة.