تجربة في الدفاع عن الحق

آراء 2023/09/24
...







 حسب الله يحيى

اعتاد عددٌ كبيرٌ من الناس البسطاء؛ السكوت عن المطالبة بحقوقهم، اتقاء من شر الباطل وهيمنته وقدرته على توسيع شروره. وكمثال على ذلك، ما يقوم به بعض أصحاب المولدات الكهربائيَّة، فهم فضلًا عن الأجور الباهظة التي يتقاضونها؛ يعمدون إلى أخذ قسطٍ من الوقت بعد انطفاء الكهرباء الوطنيَّة، واختيار ساعةٍ يسمونها (استراحة) إلى جانب عطل هذه المولدات بسبب قدمها واستهلاكها، وقد يعمد بعضهم إلى تعطيلها عمدا، كسبًا للوقت أو الادعاء بنفاد الوقود وعدم تزويدهم به من قبل المسؤولين.
وكانت الحكومة قد اتخذت إجراءاتٍ حازمةً وحقيقيَّةً بشأن أصحاب المولدات المخالفين للتعليمات والأجور، لكنها تخلت بعدئذ عن إدامة إجراءاتها هذه!.
وهو الأمر الذي جعل هؤلاء يواصلون التجاوز والإهمال العمد على حقوق الناس الذين يدفعون لهم الأجور، على حسب طلباتهم من دون أن يجدوا أداءً سليمًا يغطي الأجور التي يدفعونها بسخاء. وعلى الرغم من المراجعات والشكاوى التي تقدم لأصحاب المولدات، إلا أنهم لا يصغون إلى هذه الشكاوى.
وقد يتجاوز هؤلاء على المراجعين، الذين يطالبون بحقوقهم في تشغيل المولدات ويخاصمون المراجعين ويدخلونهم في إشكالات انتقاميَّة وعشائريَّة. إلا أن تجربةً واحدةً حيَّة، حيث بادر أحد المراجعين مطالبا بحقوقه وحقوق الناس، الذين تجمعوا حوله من دون أن يبادر أيٌّ منهم بإعلان شكواه خشية من غضب صاحب المولدة أو إدخالهم في مشكلاتٍ لا طاقة لهم عليها. إنهم كانوا يريدون أن يبادر احد المراجعين ليكون هو الضحيَّة أو الفدائي الذي يطالب بحقوقهم! من هنا بادر أحد المراجعين، والذي اضطر أكثر من مرة إلى نقل أطفاله إلى منطقة أخرى تتوفر فيها الطاقة الكهربائية على مدار الليل والنهار خشية من حرارة الجو.. وعمد إلى مواجهة صاحب المولدة، بينما كان سواه من المراجعين يقف متفرجا!.
لقد طالب هذا المواطن بتشغيل المولدة بحزمٍ وعلى رغم ما تلقاه من جفاءٍ وغضبٍ من صاحب المولدة، إلا أن صوت الحق كان أعلى وأقوى، مثلما كان تضامن الناس الذين سكتوا عن حقوقهم، ليبادروا ويتضامنوا مع كلمة الحق بعد أن كفّوا عن صمتهم الطويل. هذا الصوت التضامني في الدفاع عن الحق، اضطر صاحب المولدة إلى تشغيل مولدته وإصلاح الخلل بسرعةٍ غير مسبوقة.
ومرت الأيام التالية بلا منغصات وبلا انقطاعات وبلا عطلات كذلك! هذا الأنموذج الفردي يمكن لنا إعمامه على سلسلة من الوقائع المرّة، التي تدور حولنا والتي يسود فيها الغبن والظلم والفساد والإهمال عمدا، من دون أن يتولى أحد الخروج على هذا الصمت المذل.
صحيح أن تظاهرات تشرين المجيدة؛ كانت أنموذجًا جماهيريًّا وديمقراطيًّا، ساهم مساهمةً حيَّةً في إلزام المتنفذين لمراجعة ممارساتهم غير العادلة.. وتمَّ تغيير الكثير من الإجراءات الظالمة.
إلّا أن زخم هذه التظاهرات لم يستمر للأسف، لذلك عمد الباطل على توسيع رقعته والعمل من جديد على هضم حقوق وإرادة الناس.. وذلك بسبب صمتهم في المطالبة بحقوقهم.
من هنا، نرى أن الحق يتطلب أن ندافع عنه بكل السبل، وألا نستكين للسكوت والخوف والخشية من العواقب؛ لان الباطل يستخدم كل الأساليب كما ينمو ويزدهر، مستفيدا من كل هذه المخاوف التي يعيشها المواطن، حتى يحتفظ بأمنه وسلامته ومصالحه، على حساب هضم حقوق الآخرين التي يفترض بالقانون أن يكفلها للجميع..
ولو تيسر لإي واحد منا أن يطالب بحقه المشروع لما انتشر هذا الفساد والباطل، ومن ثم اتساعه الكبير، والذي بات يشغل مساحةً واسعةً في حياتنا، حتى غدونا نعجز أو نمل أو نيأس من المطالبة بحقوقنا.. وهذا ما يريده الظلاميون والذين يشتغلون من خلاله على ردع المواطن وتهديده بشتى الأساليب القمعية ضده، ليضطر الناس على السكوت أمام القوى التي تعمل على اغتيال الحق.
نعم.. الحق، حق وان استوحش الكثيرون المطالبة به، وعلى حسب قول الامام علي (ع): «لا تستوحشوا طريق الحق لقلّة سالكيه».
فلنمضِ قدمًا في الدفاع عن الحق والحقوق وعلى نشر الحقيقة في كل الآفاق.