حمزة مصطفى
في بغداد ومثلما يقول المقربون منه والوقائع على الأرض أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لاينام الإ ساعات قليلة في اليوم, ناهيك عن عدم تمتعه مع فريقه الخاص بعطلتي الجمعة والسبت, بل حتى العطل الرسمية وهي كثيرة عندنا نقرأ ونشاهد لقاءاتٍ واجتماعاتٍ وبياناتٍ وتعليماتٍ تصدر عنه لكلِّ الجهات والمؤسسات والوزارات. إذن الرجل "شاده حزامه" ويركض لكي يختصر الزمن، من أجل تحقيق ما وعد به طبقا للمنهاج الحكومي والبرنامج الوزاري.هذا في بغداد. فما الذي حصل في نيويورك حيث يرأس وفد العراق لاجتماعات الجمعيَّة العموميَّة للأمم المتحدة؟ الأخبار الآتية من هناك تؤكد مرة أخرى أن الرجل يتصرف هناك مثلما لو كان في بغداد.. نوم قليل وعمل
كثير.
الخلاصة أن "ركضة" السوداني على مدار اليوم في بغداد لا تختلف عما نتابعه من تحركاتٍ ولقاءاتٍ واجتماعات وندوات في نيويورك. هل يحصل مثل هذا مع باقي الزعماء؟ أشك في ذلك ربما لأكثر من سبب. منها أن الكثير من الدول ليس فيها تركات وتراكمات من الفترات السابقة مثلنا لا تحتاج من رؤسائها وممثليها أن يبحثوا كل شيء في ما يتعلق ببلدانهم مع الزعماء أو مدراء الشركات. كما أن هناك دولًا تمكنت من تغيير الصورة النمطية المرسومة عنها إعلاميَّا وسياسيَّا، وبالتالي ترسخت تجربتها في البناء والعمل مؤسساتيًّا بحيث لاتحتاج إلا إلى لمسات من المسؤول الأول. وهناك ربما من يكتفي بإلقاء كلمة بلاده من على منبر الأمم المتحدة بصرف النظر عن عدد الحاضرين في القاعة، ناهيك عمن هو مهتم لسماع الخطب، لا سيما أننا كثيرا ما نشاهد عددًا كبيرًا من الحاضرين في "سابع نومة". في العراق تبدو الصورة مختلفة ومتباينة في الوقت نفسه الأمر الذي يحتاج إلى جهودٍ مضاعفةٍ، لتغيير ما ينبغي تغييره، لكي يبدأ العمل الجاد والحقيقي على كل المستويات. واضح أن خيار السوداني ليس الذهاب لكي يلقي كلمة العراق ويعود. الكلمات والخطب بروتوكوليَّة في العادة، يمكن أن يتولاه وزير الخارجية، دون أن يقول له أحد أين رئيسك؟ ولماذا لم يحضر؟.
المسألة الأهم بالنسبة للسوداني، هو هذا التجمع العالمي الذي تحضره نحو 193 دولة بدءا من الدول العظمى، إلى تلك التي لا تكاد ترى بالخريطة. وبالتالي فإن الأهم بالنسبة للسوداني هو كيف يضرب كل العصافير بحجرٍ واحد. الحجر هو الرحلة الشاقة إلى نيويورك, أما العصافير فهي بالعشرات لمن يريد أن يشرح ويفاوض ويتفاهم ويوضح ويزيل الكثير مما هو عالق عبر الصورة النمطية المأخوذة عن العراق في أذهان الكثيرين، والتي فشلنا في تغييرها على كل المستويات السياسيَّة والإعلاميَّة
والسياحيَّة.
لذلك ولا "زغرا" بالوفد المرافق لرئيس الوزراء, ولا بفريقه الحكومي الموجود في بغداد فإن السوداني أضطر أن يشد الرحال إلى نيويورك من منطلق كون مثل هذا التجمع الدولي فرصة لا تتكرر دائما. ولأنها كذلك فلابد من إستثمار كل دقيقة منها في الشرح والتوضيح وإزالة كل أنواع سوء الفهم المأخوذ عن العراق، والذي يحتاج إلى نوعين من الجهود لإزالته. الأول داخلي ويتمثل في إجراءاتٍ صارمة، خصوصا لجهة ما قدمه من جردة حساب هناك تحتاج إلى متابعة هنا. والثاني هو خارجي ويتمثل في التأسيس للوبيات ضغط إعلامي وسياسي في أهم مراكز صنع القرار في العالم، إذا أراد السوداني ترجمة كل ما عبر عنه من طموحات في البناء وفرص العمل على مختلف المستويات.