نحوَ ريادة عالميّة للنتاج الفكري العربي

آراء 2023/09/25
...

 د. طلال ناظم الزهيري


لا شكَّ أنَّ التناميَ الكبيرَ للنتاجِ الفكريِ العالميِ المتاحِ منْ خلالِ البيئةِ الرقميةِ، لا يزالُ يميلُ وبشكلٍ مطلقٍ لصالحِ النتاجِ الفكريِ المكتوبِ باللغةِ الإنكليزيةِ، مقارنةً بمساهماتٍ عربيَّةٍ خجولةٍ لا تكادُ تقارنُ معَ أهميةِ المعرفةِ والإنتاجِ الفكريِ العربيِ. لقدْ كانَ العالمُ العربيُ، بتاريخهِ الغنيِ وثقافتهِ المتنوعةِ، منذُ فترةٍ طويلةٍ مركزًا للنشاطِ الفكريِ. ومعَ ذلكَ، في عصرِ المعلوماتِ اليومِ، هناكَ حاجةٌ ملحةٌ للعلماءِ والباحثينَ العربِ لتسخيرِ قوةِ التكنولوجيا والمعاييرِ الدوليةِ، لزيادةِ جودةِ وتأثيرِ أعمالهمْ. 

وفي هذا المسعى تقفُ (قاعدة معرفةِ ومعاملَ أرسيف) كمبادرةٍ عربيَّةٍ طموح بمثابةِ منارةِ أملٍ، حيثُ توفرُ طريقًا لتحقيقِ التوازنِ المعرفيِ والانتشارِ العالميِ للإنتاجِ الفكريِ العربيِ. ومحفزًا للتميزِ الفكريِ العربيِ الذي يتمتعُ بتاريخٍ حافلٍ بالإنجازاتِ الفكريةِ، بدأَ منْ العصرِ الذهبيِ للحضارةِ الإسلاميةِ ومساهماتها الثريةِ في مجالاتٍ تتراوحُ بينَ الأدبِ والعلومِ والتي شكلت القاعدة المعرفيَّة لما نشهدُ اليومُ منْ تطورٍ في الدولِ الغربيةِ. ومعَ ذلكَ، في السنواتِ الأخيرةِ، كانَ هناكَ اعترافٌ متزايدٌ بالحاجةِ إلى تنشيطِ وتحديثِ الإنتاجِ الفكريِ العربيِ، لتلبيةِ متطلباتِ القرنِ الحادي والعشرينَ. هذا هوَ المكانُ الذي تدخلَ فيهِ [ Arcif ]، والتي تعني [ Arab Reference Citations Impact Factor ]. 

أرسيف ليستْ مجردَ مؤسسةٍ أخرى لقياساتِ المعلوماتِ ؛ إنها منصةٌ تهدفُ إلى إعادةِ تشكيلِ مشهدِ الإنتاجِ الفكريِ العربيِ وسدِ الفجوةِ بينَ الباحثينَ العربِ والمجتمعِ الأكاديميِ العالميِ، وتوفيرَ حلقة وصل حاسمة يمكنُ أنْ تمكنَ العالم العربي منْ استعادةِ مكانهِ الصحيح في التسلسلِ الهرميِ للمعرفةِ العالميةِ. واحدة منْ أهمِ مساهمات ارسيف للمجتمعِ الأكاديميِ العربيِ هيَ قاعدةُ بياناتِ معرفةِ الشاملةِ. التي تضمُ مجموعةً واسعةً من الأوراقِ البحثيةِ والمقالاتِ والأعمالِ الأكاديميةِ التي أنتجها علماءُ 

عربٌ. 

ونشرتْ في مجلاتٍ عربيةٍ يعدُّ هذا الموردِ بمثابةِ مستودعٍ رقميٍ للباحثينَ والطلابِ العربِ، مما يوفرُ سهولةَ الوصولِ إلى ثروةٍ من المعرفةِ التي تشملُ مختلفَ التخصصاتِ. لا تحافظُ قاعدةَ معرفة على التراثِ الفكريِ الغنيِ للعالمِ العربيِ فحسب، بلْ تضمنَ أيضا أنْ تجدَ الأبحاثُ المعاصرةُ مكانها الصحيحَ على الساحةِ العالميةِ. ومنْ خلالِ تسهيلِ نشرِ العملِ الأكاديميِ العربيِ، يلعبَ أرسيف دورًا محوريًّا في رفعِ مكانةٍ الباحثينَ العربِ على الساحةِ الدوليةِ. وبينما تحاولُ ( قاعدةُ معرفة ) الحفاظِ على ماضي وحاضرِ الإنتاجِ الفكريِ العربيِ، فإنَ أرسيف تشكلُ مستقبلهُ. توفرُ هذهِ المرافقِ الحديثةِ بيئةً مواتيةً للباحثينَ لاستكشافِ حدودٍ جديدةٍ في العلومِ والتكنولوجيا. وتعمل على تعزيزِ الابتكارِ وتوسيعِ حدودِ خلقِ المعرفةِ العربيةِ. فضلاً عنْ مهمةٍ أرسيف في رفعِ جودةِ الدورياتِ العربيةِ. منْ خلالِ نهجٍ متعددٍ الجوانبِ يتضمنُ مراجعةَ النظراءِ الصارمةِ، والالتزام بمعاييرِ النشرِ الدوليةِ، ودمجَ الأبحاثِ المتطورةِ والالتزامِ بأعلى معاييرِ الدقةِ الأكاديميةِ، وصولاً إلى الهدفِ الأهمِ وهوَ أنْ تكتسبَ الدورياتُ العربيَّةُ التقديرَ والاحترامَ على الساحةِ العالميةِ. 

ولأننا ندركُ أنَ الاستشهاداتِ المرجعيَّةَ العاليَّةَ هيَّ الطريقُ إلى اكتسابِ قوةِ التأثيرِ العالميِ في الأوساطِ الأكاديميةِ، جاءتْ هذهِ المبادرةِ لتقابلَ عددًا كبيرًا من المبادراتِ العالميةِ مثل مستوعباتٍ كلاريفيت وسكوباس، التي غالبا ما تتجاهلُ الدورياتُ العربيةُ عنْ قصد أو دونَ قصدٍ. الأمرُ الذي دفعَ بالمؤسساتِ الأكاديميةِ العربيَّةِ إلى توجيهِ كوادرها إلى النشرِ في المجلاتِ العالميةِ وباللغةِ الإنكليزيةِ لضمانِ تحقيقِ ارتفاعٍ بسيطٍ في مؤشرِ جودةِ التعليمِ في هذا البلدِ أو 

ذاكَ. 

أنَ سياسيةً الهروبِ إلى الأمامِ تلكَ وخلالَ السنواتِ الماضيَّةِ أدتْ إلى تنامي ممارساتٍ شاذةٍ وغريبةٍ عن الوسطِ الأكاديميِ العربيِ. الذي انعكسَ سلبًا على الجامعاتِ العربيَّةِ، فضلاً عنْ تراجعِ النتاجِ الفكريِ باللغةِ العربيَّةِ على مستوى الكمِ والنوعِ. مقابلَ هذهِ السياسياتِ كانت هناكَ مبادراتٌ عربيَّةٌ واعدةٌ انتهجت طريقًا مغايرًا يهدفُ إلى تعظيمِ دورِ المجلاتِ والدورياتِ العربيةِ. 

منْ منطلقٍ أنَّ التركيزَ على الجودةِ والابتكارِ والالتزامِ بالمعاييرِ الدوليةِ، يؤدي إلى زيادةٍ في الاستشهاداتِ المرجعيةِ للأبحاثِ المنتجةِ في العالمِ العربيِ. ومعَ تزايدِ عددِ الباحثينَ منْ جميعِ أنحاءِ العالمِ، الذينَ يستشهدونَ بالأبحاثِ العربيةِ، سوفَ يدركُ المجتمعُ الفكريُ العالميُ أهميَّةَ المساهماتِ العربيَّةِ في مختلفِ المجالاتِ. وفي الوقتِ الذي نجدُ فيهِ أنَ مثل هذهِ المبادراتِ تخطو خطواتٍ ملحوظةً في تعزيزِ الإنتاجِ الفكريِ العربيِ، فمن الضروريِ للمجتمعِ الأكاديميِ العربيِ أنْ يعترفَ بالمعاييرِ والمقاييسِ العربيةِ ويتبنها بشكلٍ كاملٍ. 

إنَ قبولَ هذهِ المعاييرِ لا يشكلُ تنازلاً عن المعاييرِ الأجنبيةِ، بلْ هوَ وسيلةٌ لضمانِ حصولِ البحوثِ العربيَّةِ على الاعترافِ الذي تستحقهُ على الساحةِ العالميَّةِ. ومنطلقٌ لتحقيقِ التوازنِ المعرفيِ والارتقاءِ بالإنتاجِ الفكريِ العربيِ. فضلاً عن تعزيزِ الابتكارِ في المؤسساتِ الأكاديميَّةِ العربيَّةِ.