للعنصريَّة تأثيرٌ اقتصاديٌّ أيضاً

آراء 2023/09/25
...

 باقر صاحب

لعنوان مقالتنا هذه مبرراته، لأنه طالما للعنصرية والتحريض العنصري مؤثرات سلبيَّة عديدة، فمن التأكيد أن للتأثير الاقتصادي حضوره ضمن السلبيات، وقبل الدخول في صلب موضوعتنا، ينبغي أن نعرّف ما العنصرية، فهي" مجموعة سلوكياتٍ وممارساتٍ وأحكام مسبقة، تشمل أقوالا، أو معتقداتٍ، أو أفعالا تتسم بالتحيز والتمييز والكراهية الموجهة ضدّ شخصٍ ما؛ بسبب لون البشرة، أو العرق، أو الأصل القومي، أو الدين، وذلك على أساس الاعتقاد بأن هنالك أعراقاً وأصولا متفوقة على أعراقٍ أخرى، حيث يمكن أن تتخذ العنصرية أشكالا عديدة".

اقتصادياً، ووفق مقتربات ذلك التعريف، يعاني الأشخاص الذين يتعرضون للعنصرية من انعدام حصولهم على فرصٍ اقتصاديةٍ متساوية، مع السكان الأصليين، إذا كان الذين يتعرضون للإقصاء العنصري من عرقٍ آخر أومن قوميةٍ أخرى، أووا للبلاد الجديدة أملاً في الحصول على فرصٍ تؤمّن لهم العيش المُرفّه والحياة الكريمة، أو قد يكون الحاصلون على فرص إقامة في بلدٍ ما، ذوي دخلٍ جيد، يرومون استثماره في البلاد الجديدة، المتطورة اقتصادياً وعمرانيا وفيها قدرٌ نسبيٌّ من الحريات.

لكنَّ البلاد المعنيّة، حين تنشأ فيها حركاتٌ عنصرية، تحارب الوافدين إليها تجني على نفسها في الجانب الاقتصادي، حيث توثر العنصرية على المستثمرين الأجانب، وتجعلهم يسحبون رساميلهم ما يؤثر كثيراً على الاقتصاد المحلي وعلى مستوى اقتصاديٍّ ضخم، مثل الاقتصاد الأميركي، اطّلعنا على تقريرٍ يوضّح خسارة هذا الاقتصاد تريليونات الدولار بسبب سياسات التمييز العنصري، وبصورة عامة فإنه بحسب دراسة أجراها بنك" سيتي غروب" قبل سنوات، فإن" إنهاء عدم المساواة الناجمة عن سياسات التمييز العنصري قد يجلب 5000 مليار دولار إلى الخزينة الأميركية في غضون خمس سنوات"، على سبيل المثال فإن "الفجوة بين نسبة الأميركيين السود الذين لديهم ممتلكات ونسبة البيض قد ازدادت منذ الستينيات"، فالسود حينما يتملّكون عقارات، فإنها غالباً ما تكون "في الأحياء الرخيصة ما يعني أنَّ قيمة ممتلكاتهم ترتفع ببطء شديد". ما يسبّب خسائر في معدل الدخل القومي الأميركي. 

بوصلة موضوعتنا ليست أميركا فقط، بل تتّجه إلى ما يُثار الآن من تقارير خبرية عن التحريض العنصري ضد العرب في تركيا، حيث يجري الحديث عن "استفاقة تركية متأخرة لأضرار التحريض العنصري ضد العرب"، ويُقصد بها أنَّ السلطات الأمنية التركية صحت مؤخّراً على الحملة العنصرية الممنهجة ضد السياح العرب، الاستفاقة تمثلت في إجراءات "ضد المحرّضين والمموّلين للحملات العنصرية التي لم تعدْ قضيةً فردية، بل باتت ظاهرةً مقلقةً أثّرت على السياحة وكبّدت تركيا خسائر وسط أزمتها 

الاقتصادية". 

لا يخفى اليوم على الناس، أي حدث في العالم، إذ سرعان ما تتداوله مواقع التواصل الاجتماعي، فقد وثّق مقطع فيديو نشرته هذه المواقع عن اعتداء أتراك على سائحٍ كويتي كان مع عائلته في أحد المواقع السياحية في تركيا، هذا الحدث، وغيره من حوادث الاعتداءات على السياح العرب، لم تمر مرور الكرام، بل ألقت بظلالها على الاقتصاد التركي الذي يعاني من أزماتٍ عدّة، أولها انهيار الليرة التركية، مع اعتماد الاقتصاد التركي على السياحة وتصدير البضائع والمسلسلات التلفزيونية، هذا يعني أن اشتداد التحريض العنصري الممنهج يجعل السياح العرب يفكّرون كثيراً قبل السفر إلى تركيا، بعد السمعة السيّئة الناتجة عن اعتداءات الاتراك على السياح والمقيمين العرب عامة والخليجيين خاصة، فمن جانب أن السائح الخليجي ينفق في سياحته هناك 4000 دولار أميركي، في حين أن السائح الروسي ينفق 800 دولار، فتصوروا كم سيتضرّر الاقتصاد التركي، فيما لو امتنع السياح الخليجيون عن أن تكون وجهتهم المُفضّلة تركيا، ومن جانبٍ آخر، سيضطرًّ المقيمون من أصحاب الثروات إلى سحب استثماراتهم في تركيا، فأصحاب بعض الشركات العقارية أخذوا يشكون من امتناع الراغبين بالاستثمار العقاري عن شراء العقارات، ما يؤثر بشكلٍ كبيرٍ في أحد أهم جوانب الاقتصاد في تركيا، وبشكلٍ عام فإن "العنصرية المُتفاقمة ضد العرب كبّدت البلاد خسائر بنحو مليار دولار خلال الشهرين الأخيرين"، وهذا يعني أن هذه الخسائر في فصل الصيف، حيث تشهد تركيا حركةً سياحيةً كبيرة، وكان من المؤمل استقطاب 60 مليون سائح خلال هذا العام، لكن الإحصائيات سجلت 23 مليوناً فقط.

وبالإمكان القول إن هذا التحريض العنصري الجديد في تركيا ضد العرب مقيمين ولاجئين، له بعدٌ سياسي، يتعلّق بالانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخراً، فالأحزاب المعارضة لانتخاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مجدّداً، أشّرت أنّ كفّة فوز أردوغان كانت جرّاء تصويت العرب لصالح أردوغان، ومن هذا يقال بأن هذا التحريض العنصري 

مُخطّطٌ له 

من قبل أحزابٍ سياسيةٍ تركيةٍ من أجل المحافظة على القومية التركية، بتأجيج العداء للعرب، وتبرير ذلك" تردي الواقع المعيشي وتهاوي سعر صرف الليرة وارتفاع نسبة التضخم كمحرّضات، وزيادة أعداد العرب المقيمين".

وبالمختصر، فإنه إذا سلكت دولةٌ من الدول منهج التسامح والتعايش بين مواطنيها أصلاء ومقيمين، وكذلك بين أعراقها ومكوناتها المختلفة، يزدهر فيها الاستقرار السياسي، ولن تحدث فيها أضرارٌ اقتصاديةٌ نتيجة العنصرة، في عالمٍ قائمٍ على التنافس الاقتصادي الشديد والحروب

الناعمة.