علي حسن الفواز
الاحتكام للاقتصاد سيظل هو الرهان الأكبر، والخيار الذي يمنح الدول مؤشرات معرفتها لحركة المصالح، ولمواجهة الأزمات، فرغم ما تصنعه السياسة من ضواغط، ومن توترات متزايدة، فإن حماية المصالح والأسواق ستظل هي المجال الأرحب للحديث عن أنسنة تلك السياسة، وعن كلّ ما يتعلق بحصاناتها، وبالمواقف التي تدعو إلى حُسن التعامل مع القضايا الكبرى، ومع براغماتيات توصيف العدو والصديق.
العلاقات الأوروبية الصينية ليست بعيدة عن تلك الحسابات، على مستوى الشأن التجاري، أو على مستوى شأن "الجغرافيا السياسية" وعلى نحوٍ يجعل من تخفيف "غلواء السياسة والأمن" خيارا ستراتيجيا، وتطلّعا يهدف إلى " التهدئة" وإلى المراجعة، وإلى تصفير الأزمات، مهما كانت أسبابها، لأن مواجهة تحديات أزمات معقدة، مثل التضخم والركود والبطالة والكساد تفرض على الدول تنازلات كبيرة ومعالجات اضطرارية، وهذا ما بدا واضحا في تصريحات مفوّض التجارة في الاتحاد الأوروبي فالديس دومبروفسكيس، التي أشار فيها إلى أهمية حماية المصالح الأوروبية مع الصين، وأن الاتحاد يعمل على تخفيف الأزمات، ومنعها من الانزلاق إلى حروب السوق، وحروب الجغرافيا، فرغم كل المساعي الخاصة بحماية البنى الداخلية الأوروبية، فإنها تعاني كثيرا من أزمات العجز والتضخم، ومن صدمات الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها في الطاقة والغذاء والبطالة، لا سيما أن دول الاتحاد الأوروبي تعاني من عجز تجاري 400 مليار يورو، وهو رقم يؤشر الطابع المُعقّد لهذه الأزمات، ولحاجتها إلى مراجعة ومعالجة فاعلتين، تفرض تداعياتها على ما يحدث في أوروبا، وفي العالم، وحتى في الولايات المتحدة الأميركية، وباتجاه يجعل من العلاقة مع الصين أكثر توازنا، وتقبلا لتوسيع مجالات التجارة والاستثمار الأجنبي، فضلا عن العمل على تهدئة التوترات التي تشهدها العلاقات الأوروبية الأميركية مع الصين. البحث عن المعالجات لا يعني تغييب أزمات الأمن والسياسة، والاتكاء على حسابات غير واضحة للمصالح، إذ تتطلّب هذه المصالح وجود أفقٍ لحوارات جادة، تقوم على إعادة صياغة مفاهيم السياسة، والشراكة، ومنع التهديد بالعقوبات، مقابل العمل على تيسير آليات المنافسة في مجالات الصناعات المتعددة، وفي حماية قطاعات تصنيع السيارات الكهربائية بشكلٍ خاص، التي تواجه تهديدات واضحة من قبل الولايات المتحدة، فضلا عن معالجة المشكلات العالقة، ومنها ما يتعلّق بإلغاء الحواجز التجارية، التي ستُمهّد إلى إيجاد أجواء إيجابية للثقة، بما ينعكس على الطابع الجيوسياسي للصراع مع الصين، ومع الحلفاء الآخرين في روسيا وكوريا الشمالية وإيران، وفي تجمعات بريكس وشنغهاي.