سناء الوادي
لم تؤتِ ثمارها مليارات الدولارات التي دفعت بها هوليوود الغرب، بغية تشويه سمعة الثائر الإفريقي الأصل غانغا زومبي، والذي أسس مملكة عظيمة في بالميراس البرازيل «الأغواس حالياً « من الثائرين العبيد الأفارقة ضدّ المستعمر البرتغالي وذلك في القرن السادس عشر ميلادي، وبعد كل تلك السنون التي اندثرت لم يألُ الغرب جهداً بدفن سيرة العظماء المتمردين على الظلم والفقر، وإذا لم ينجح فيعمل على تشويهها بأقذر الوسائل الممكنة، إنّه الغزو التاريخي الممنهج للأمم وهذا ما كان مع الزومبي فقد صورته السينما الغربية على أنه الرجل الميت العائد للحياة فيثير الرعب أينما حضر بوجهه المشوّه البشع، حتّى أن الولايات المتحدة الأمريكية تسمي أخطر أنواع المخدرات التي تفتك بشبّانها وتجعلهم كالسكارى والمعتوهين بهذا الاسم «مخدر الزومبي»، ناهيك عن ظهور هذه الشخصية في عدة ألعاب حديثة للأطفال «الببجي».
ما الذي يجعل الغرب مرتعد الفرائص من مثل نماذج هذا القائد الثائر القوي وغيره الكثير أمثال القائد العثماني البحّارة خير الدين باربروسا، الذي نجح بحكم ميناء طولون الفرنسي وجعله قاعدة للدولة الإسلامية العثمانية وحكم الجزائر ومصر، فهذا الأخير صورته الهوليوودية الغربية بهيأة قرصانٍ مبتور اليد أعرج القدم ذي لحية حمراء، يسطو على الأساطيل لينهبها ويقتل بحارتها وبالطبع، فالتاريخ زاخر بالأبطال الذين شوّهت مسيرتهم حتى لا يتمّ التركيز على منجزاتهم.
هذا وبعد مرور كلّ ذلك الوقت قد اتضحت الرؤية بعض الشيء، خاصةً بعد نجاح الانقلابات المتتالية في دول الساحل الإفريقي، بدءاً من تراوري بوركينا فاسو مروراً بمالي والتي تلتها النيجر بعقيدها المنقلب عبد الرحمن تشياني ثم الغابون مؤخراً وقد تطال سلسلة الانقلابات الكاميرون والكونغو فالأوضاع على الأرض مهيأة لذلك، ما يؤدي لأن ينكسر على إثرها منقار الديك الفرنسي الذي كان يقضم الدول السمراء ويقتات على ذهبها ومعادنها الثمينة ونفطها، فضلاً عن اقتلاع جذوره الضاربة في عمق تاريخ تلك الدول شيئاً فشيئاً معلنةً الرفض العلني لاستمرار التبعية لباريس، ناهيك عن الانقلاب على كلّ قيم الديمقراطية الغربية التي كانت السبب لاستعمار تلك الدول سياسياً أو اقتصادياً فقد أثبتت التجارب الواقعية أن التذرع بنشر القيم الحرة والعدالة لم يكن المقصود بها تلك الشعوب التي تسكن هذه البلاد بل تتجه فعلياً للبيض وتهدف لرفاهيتهم وثرائهم وتقدمهم بمقابل التخلف والجهل والفقر الذي فتك بهذه الشعوب التابعة، فالمعادلة هنا عكسية ما يزيد هنا ينقص هناك.
ضمن هذا السياق هل بعثت روح غانغا زومبي من جديد في إفريقيا أم كان أولئك ينتظرون اللحظة الحاسمة، التي يستطيعون بها الاعتماد على حليف قوي يدعمهم وأقصد هنا روسيا، فقد كشفت الحرب الروسية الأوكرانيَّة المندلعة زيف الحليف الغربي والأمريكي بوضوح، خاصة في ما يتعلق بمشكلة توريد الحبوب الأوكرانيَّة لإفريقيا، والتي أوقفت موسكو منذ برهة العمل باتفاقية الحبوب لتومئ بتوريد الحبوب مجاناً للدول الفقيرة، بينما كانت الدول الغربية لاهثة لإرضاء قاعدتها الشعبية وجمع الأصوات للانتخابات القادمة غيرُ آبهةٍ بمصير هذه الدويلات.
لكن ما يلفتني حقاً ردّة الفعل الفرنسية التي كانت بادئ ذي بدء ترعد وتبرق وتتوعد بدحر الانقلابات عسكرياً وحرّضت على ذلك دول الإيكواس»تجمع غرب إفريقيا»، لنلاحظ تراجع هذه النبرة الحادّة، ولربما القبول بالانقلابيين الجدد، إذا ما نهجوا طريق أسلافهم بحماية المصالح الفرنسية، أو أنها ستسعى لتأجيج الجماعات الإرهابية مجدداً كتنظيم القاعدة وتنظيم بوكو حرام، وغيرها من تلك المتواجدة بكثرة في إفريقيا وهي بهذا السيناريو ستضرب بيد من حديد ميليشيا فاغنر الروسية دون أي جهدٍ منها، لتنقضّ في ما بعد شاهرة سيفها للدفاع عن معاقلها في القارّة السمراء، أو قد تلجأ للسناريو الذي تتقنه جيداً ألا وهو سيناريو الاغتيال لكل من يخالف هواها كما كانت تلك النهاية المؤلمة للبطل زومبي عندما قطع البرتغاليون رأسه وأعضاءه التناسلية، ومثّلوا بجثته وعرضوها في المدن الكبرى لكي يكون خير دليل على وحشية الديمقراطيين المختبئة وراء ستارة برّاقة من الكذب
والخداع.