المسؤولية الادبية !

ثقافة 2019/05/07
...

عالية طالب
 

ما هي المسؤولية الادبية الحقيقية التي يفترض على الاديب اتباعها ليس فيما يكتبه فقط بل في المواقف التي يتخذها وفي السلوك العام الذي يؤمن باتباعه؟ وهل تقتصر تلك الكلمة على مفهوم الالتزام الادبي في طرح الافكار واظهار عضلات “ العقل” أم في تبني ما نطرح والعمل على توفير البيئة الصالحة لنمو المفاهيم السامية والتصدي للظواهر المستهجنة ومحاربة نموها ووجودها في ثنائية الزمكان!
يقول الشاعر التركي ناظم حكمت :أن لم احترق أنا وأن لم تحترق أنت ، فمن الذي يضيء لنا الطريق ؟ هذا الطريق الذي تكتنفه ظلمات الطروحات السلبية والمستهجنة لا زال رائجا بالرغم من انتهاء صلاحية عديد من المواقف الشائنة التي تراجعت الى جحورها بفعل الواقع الفعلي الذي وقف صامدا ازاء الاخر المريض والعامل على تصدير تشوهاته العقلية باعتبارها سلوكا مقبولا من متشابهات  تجمعها ذات الخصائص المتدنية ولا ترتقي يوما لتكون منهجا الا لمن لا يعرف معنى المسؤولية الادبية الحقيقية.
ليست العبارة التي نستخدمها اليوم عنوانا هي شيء مستحدث بل هي استدراك للزمن المتعصب الذي يبزغ دائما كلما وجد مساحة تنتظر الاحتواء ، ولنا ان نتذكر هنا كتاب” اندري جدانوف” الذي صدر نهاية الاربعينات تحت عنوان “ ان الأدب كان مسؤولا” وفيه يتحدث عن مسار الادباء المتحزبين والمنتمين لسياسات حزبية خاصة  والتي قد تقود نتاجهم الى مفترقات تحكم تتضح سماته فيما ينتجون ، لكنه اشار الى ان على هؤلاء ان يعملوا بجد لتغيير الواقع السلبي الى واقع المدينة الرمز بفضيلتها دون ان ينزلوا الى مترديات الادب  ويترفعوا عن كل ما يمكن ان يذهب بفكرة المدن الفاضلة.
المدينة الادبية الفاضلة هي المسؤولية الادبية التي على من يختص بمدلولاتها ان يعمل داخلها دون ان يكون انسانا شاذا في سلوكه وما يصدر عنه وما يعمل على تكريسه في خبايا ومنعطفات مجتمع يفترض بالاخر ان يكون مؤمنا بالقيم العليا ولا يتنازل عنها تحت اي ظرف كان.
ما دعانا الى طرح الموضوع هو ما نشهده من منشورات تنز صديدها في مواقع التواصل الاجتماعي وهي تفضح حقيقية  بعض ممن يحسب على شريحة الادباء وهو خال تماما من مسؤوليته الادبية التي تجعله متحزبا لفكرة او منهج او عقيدة او خطاب معين، وكل ما نلمسه هو الدخول الى قاع نفوس مليئة بالتشوه تعيش في زمن الركود الفكري لتطرح سموما تسهم في احداث التلوث في اكثر من جانب انساني وحياتي ومجتمعي.
ما الذي يفترض ان يتحمله المجتمع الادبي من مسؤولية صادقة للتخلص من هذه العناصر المقيتة بكل ما فيها من ادران وبؤر لا تصلح الا للتواجد في الاشنات وليس في الطفو فوق سطوح مضيئة بافكارها وتوجهاتها، .. نعتقد ان المسؤولية الادبية لا تنفصل عن الالتزام الادبي وما على مجتمع يحمل صفة “ المقدس الابداعي” الا العمل على نبذ هذه الاشكال وتعريتها ومواجهتها لتعرف ان مدن الخلق الابداعي لا يمكن لها ان تعتمد مخلوقات كافكوية لا تصلح الا للعيش في جحور ميتة لا تتنفس فيها الا هواء ملوثا تماما يشبه الافكار الملوثة التي تحملها.