عبد الحليم الرهيمي
خلال الأيام القليلة المقبلة سيمرُّ عامٌ على الانتخابات البرلمانية في دورتها الرابعة والتي جرت في 12 أيار من العام المنصرم (2018). وإذا كانت عملية إجراء الانتخابات البرلمانية (وغيرها) هي بحد ذاتها، من حيث المبدأ، تعني الالتزام بإحدى الركائز الأساسيّة للنظام الديمقراطي السليم بشرطه وشروطه،
فإنَّ عدم إجرائها بتلك الشروط والمستلزمات وبأجواء صحية وسليمة إنما يمثل خرقاً كبيراً لإحدى ركائز النظام الديمقراطي وخللاً كبيراً في مسار العملية السياسية ويمثل بالتالي مؤشراً خطيراً لتراجع وتعثر الحياة البرلمانية والنظام السياسي البرلماني.
إنَّ عزوف نحو 80 بالمئة من المواطنين العراقيين الذين يحق لهم التصويت أي بمشاركة نحو أقل من 20 بالمئة منهم، حسب العديد من مراكز الاستطلاع والهيئات الرصينة المعنية بمراقبة الانتخابات (وذلك خلافاً لإعلان مفوضية الانتخابات بأنَّ نسبة المشاركين بلغت نحو 44 بالمئة، وهي نسبة شكك بصحتها كثيرون).. إنما يعبر عن ثلمة كبيرة في المسار الديمقراطي المفترض للعملية السياسية ويعبر كذلك عن التلاشي والتآكل التدريجي لثقة المواطنين بالعملية السياسية وكتلها التي تتصدر المشهد السياسي.
لقد انطوت عملية العزوف الكبير لنسبة كبيرة من المواطنين على دلالات كبيرة وعديدة أهمها وأبرزها توجيه رسالة بليغة جداً لتلك الكتل السياسية التي تتصدر المشهد منذ التحرير والتغيير الموعود في 9 نيسان 2003 وهي الدلالة التي يمكن اعتبارها رفع الكارت الأصفر ، إنْ لم نقل الأحمر ، في وجه تلك الكتل والقوى السياسية التي دفعت، بسلوكها وفساد معظمها وعجزها عن تحقيق ما كان يصبو اليه العراقيون، الى اللجوء للعزوف عن المشاركة في الانتخابات بما يعنيه توجيه تلك الرسالة ذات الدلالات المعبرة والتي تعني أيضاً التأشير بخطوط حمراء عديدة لعدم التمثيل الحقيقي لتلك القوى والكتل لأغلبية المواطنين ومصالحهم.
إنَّ ما أعطى مصداقية إضافيَّة لموقف العدد الكبير لمن عزفوا عن الانتخابات وتلاشي او ضعف ثقة المواطنين بالعملية الانتخابيَّة والكتل السياسية المتصدرة للمشهد هو اندلاع الحرائق الكبيرة في عدد من المراكز ومخازن حفظ صناديق الاقتراع، كما حصل في أحد المراكز في جانب الرصافة وكركوك وغيرها، وعدم الإعلان عن الجهات التي قامت بذلك، هذا إضافة الى توجيه بعض قادة الكتل لسياسيين تهم التزوير في العد والفرز وفي غيرها من وسائل أساءت للعملية الانتخابية.
لقد طرح هذا العزوف الكبير عن الانتخابات البرلمانية وما رافقها من حرائق وأجواء غير صحية فضلاً عما وجه إليها من تهم بالتزوير، تساؤلات كبيرة ومهمة بشأن ما إذا قرأ المعنيون الرسائل البليغة التي وجهت لهم عبر العزوف عن الانتخابات وما رافقها وتلاها، وكذلك فيما إذا قرؤوا دلالات الكارت الأصفر الذي رفع في وجوههم واستخلصوا الدروس والعبر مما حصل لانتخابات العام الماضي.
ولعلَّ من المثير للدهشة والاستغراب وحتى الإحباط، إنَّ أياً من الكتل السياسية أو الجهات المعنية الحكومية أو مراكز أبحاث وعلماء اجتماع وأكاديميين لم يبدوا الاهتمام اللازم والمطلوب مما حدث والقيام بدراسة وتحليل دلالات واسباب ذلك العزوف عن الانتخابات البرلمانيَّة وخلالها وما تلاها، وبالتالي استخلاص الدروس والعبر منها واستنباط الاقتراحات والحلول العملية المناسبة التي تمنع تكرارها والتمادي في الإصرار على عدم معرفة أسبابها وعوامل حصولها والجهات المسؤولة عنها.
أخيراً ، ينبغي القول انَّ عدم التوقف الجاد أمام ما حصل والقراءة المتمعنة والعميقة للرسائل التي وجهها ذلك العزوف الكبير عن الانتخابات، ثم ما رافقها وتلاها، إنما يضع الكتل السياسية المتصدرة للمشهد أولاً، بل وكذلك للعملية السياسية والمسار الديمقراطي المتعثر أصلاً مام مهمة درء الأخطار المترتبة على ذلك وعدم إزاغة النظر عما حصل، وبذلك ينعقد الرهان، لتجاوز ذلك، على القيام بالاصلاح الجذري والحقيقي، وليس اللفظي والشعاراتي، لما آلت إليه العملية السياسية من مأزق وانعدام او ضعف ثقة المواطن لهذه العملية وقياداتها، الأمر الذي دفع أغلبية المواطنين الى العزوف عن الانتخابات، كأحد أساليب الاحتجاج على ما وصلت إليه أوضاعهم ومآل العملية السياسيَّة.