الجنوب ليس متخلفاً، ففيه من الكفاءات العلمية والثقافية والأدبية والفنية ما لا يعد ولا يحصى، وهو الرافد الأساس لعموم مفاصل الحياة في العراق، لكن واقع المرأة كما تشير الإحصاءات والمعطيات قد تراجع كثيراً، ونعني بذلك نسبة الأمية وتدني فرص العمل والحقوق المدنية والحريات مقارنة مع بغداد أو كردستان، كذلك الأمر بالنسبة للعمران والبنى التحتية والخدمات، وهذا ما ينطبق نصاً على مدن الفرات الأوسط والرمادي وتكريت والموصل، بغداد بحكم كونها عاصمة، وكردستان كونها تحررت منذ العام 1991 تقريباً من سلطة الاستبداد، وشرعت عشرات القوانين لحماية الحقوق المدنية للمرأة، فيما يخص العنف الأسري وتعدد الزوجات وحق التعليم والعمل وما إلى ذلك، ولهذا التراجع أسبابه الكثيرة، لعل أولها الحروب التي اندلعت على حدود الجنوب والمجاعات والسياسات الطائفية السابقة والإهمال المتعمد والتهميش، ومن ثم هيمنة الأعراف العشائرية والتقاليد البالية والتطرف الديني وغلبة النزعة الذكورية، وهذا واقع ليس لأحد إنكاره أو إخفاؤه، سواء قيل في لبنان أم بغداد أو مقاديشو، سواء قالته نائبة في البرلمان أم قالته بائعة لبن.
المرأة في المنظومة العشائرية ما تزال توصف بـ(الحرمة) مردوفة بعبارات: (جلك الله، أو تكرم، أو تخسه عنك، أو حشاك) وهذا لا يمت بصلة لا للدين الإسلامي الحنيف الذي كرم المرأة وأوصى بها خيراً على لسان نبيه الأعظم الكريم، ولا للخلق الإنساني القويم، فهي الأم والأخت والحبيبة والزوجة، فمن المجحف أن يكون جنسها لاغياً لوجودها الإنساني، وظاهرة(النهوة) ما تزال قائمة في العرف العشائري، مقابل انحسار واضح لظاهرة (الفصلية)، أما التعليم والعمل فشبه محرمين عليها، ووصل الأمر إلى حرمانها من حقها الشرعي في إرث أبيها وأمها خلافاً للشرع، وتدريجياً تحول هذا الأمر إلى عرف، وما يزال العنف الأسري ضدها قائماً ولا اعتراض عليه، بل هو حق للرجل بصرف النظر عن الأسباب، ناهيك عن نسب المطلقات والأرامل وما يعانين من متاعب وصعوبات الاندماج الاجتماعي في مجتمع ذكوري، غالبا ما ينظر للمرأة مجرد غنيمة لإشباع
الرغبات.
فالنائبة هيفاء الأمين، وإن خانها التعبير، لم تأتِ بجديد، وإنما تحدثت عن واقع حال، لكننا نتحفظ ربما على تحديداتها الجغرافية التي مست مشاعر فئة معينة، فالجنوب لا ينفرد وحده بهيمنة الأعراف والتقاليد، وإنما هي حالة عامة موجودة في محافظات الفرات الأوسط والمحافظات الغربية والشمالية، بما في ذلك مدن كردستان، فنسب ما يسمى بجرائم الشرف شكلت ظاهرة ملفتة في كردستان، والمنظومة العشائرية السائدة في أربيل تحديداً لا تعتد كثيراً بمنظومة القوانين المدنية، نعم ربما هناك فرق في فرص التعليم والعمل على مستوى مراكز المدن، ولا أظن أن كلامها يستحق كل هذه الضجة، كما لا يستوجب الأمر ما قام به البعض من أعمال عنف لمهاجمة مقرات الحزب الشيوعي، والأحرى بالجميع البحث عن أسباب التخلف وسبل
معالجتها.