ما يحدث في سدِّ النهضة

قضايا عربية ودولية 2023/10/01
...

علي حسن الفواز



تعثّرت المفاوضات الأخيرة بشأن "سد النهضة" بين مصر وأثيوبيا، وعلى نحوٍ جعل من هذا التعثّر مدخلاً للحديث عن خيارات أخرى، وعن توجهات للمطالبة بتدخّل دولي، يمكن أن يُدخِل المنطقة في دوامة من الأزمات والحسابات السياسية والأمنية، وهو ما بات مكشوفاً في التصريحات "الساخنة" بين الطرفين، لا سيما بعد أن شكّك خبراء مصريون بـ"جدوى المسار التفاوضي" رغم الحديث الإعلامي الدائم عن الرغبة باستمرار تلك المفاوضات،  وعدم تحويل هذا الملف إلى "منطقة نزاع" مفتوح بين دولٍ تحتاج إلى السلام وإلى الدبلوماسية الناجحة والتنمية الفاعلة. 

الاتهامات المتبادلة بين مصر وإثيوبيا، تعكس وجود أزمة عميقة بين الطرفين، ومن وجود حسابات تتجاوز حدود "الضرورات"، فالمصريون يشكّون بأن إثيوبيا تجاوزت بعد "الإملاء الرابع" للسد حاجتها، وأن الزيادة في ذلك ستكون تهديداً للأمن القومي المصري، على مستوى تقليل حصة مصر في مياه النيل، أو على مستوى الخشية من انهيار السد جرّاء ما يمكن أن يحدث لأسباب زلزالية أو فنية، وهو ما يشكّل خطراً جسيماً على السودان ومصر، لكن وزارة الخارجية الأثيوبية تردُّ على ذلك بالقول "إن مصر تتبنى موقفاً يُقوّض إعلان المبادئ الموقَّع في عام 2015، وأن هدف المفاوضات الثلاثية الحالية وضع اللمسات الأخيرة على قواعد الملء الأول والتشغيل السنوي لسد النهضة".

إن ما يحدث يُثير قلقاً إقليميا ودولياً، وأن تسخين هذه المنطقة، سيُزيد من الأزمات المتفجرة في قارة إفريقيا، ويجعل من التدخّل الدولي خياراً اضطرارياً، وباتجاه فرض حلول تدفع الطرفين للقبول بها، وعلى وفق الحقوق الضامنة لمصالح الدول "المتشاطئة" وعلى وفق قواعد عملياتية مُلزِمة للملء ولتشغيل السد كمصدر لانتاج الطاقة الكهربائية كما تقول إثيوبيا، والذي تجد فيه مصر تجاوزاً على اعتبارات أمنها القومي، وحاجتها إلى ضمانات تحمي حقوقها المائية.

خروج المفاوضات من طابعها الفني إلى طابعها السياسي ليس بعيداً عن مايجري في المنطقة، وتقاطع المواقف في هذا السياق يتطلب مراجعة "نقدية" لمواجهة التداعيات، ولضبط إيقاع الخطوات المُقبلة، ومنع أيّ تأجيج أو تصعيد قد يأخذ الصراع إلى خيارات أخرى، وهو ما ينبغي أن يكون حاضراً في المقاربات القانونية للمجتمع الدولي، والنظر إلى أزمات المياه بين الدول بمسؤولية موضوعية ومتوازنة، ومنها يحدث بين العراق وتركيا، حيث تمارس الثانية نوعاً من سياسة التعطيش مع العراق، والتجاوز على حقوقه المائية.