الهاتف النقال سلاح قوي لكسب الانتخابات

بانوراما 2019/05/07
...

حسن تشودوري ترجمة: خالد قاسم
 
 
 
خلال الأيام التي سبقت انتخابات الهند العامة 2014، بدأ سكان ولاية أوتار برادش يتلقون مكالمات يومية تلقائية على هواتفهم النقالة، وكان صوت المرسل واضحا جدا لمستدامي المكالمات: رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وزعيم المعارضة آنذاك. وتعد أوتار براداش أكثر ولايات الهند من حيث الكثافة السكانية، اذ يفوق عدد نفوسها 200 مليون نسمة.
اعترف مودي بحماسته للتكنولوجيا، وكان حريصا على استغلال كافة الوسائل الممكنة للتواصل مع المؤيدين المحتملين. وبعد خمس سنوات من تسنمه السلطة يتوجه 900 مليون ناخب للإدلاء بأصواتهم مجددا وتعد أكبر ممارسة ديمقراطية على مستوى العالم. لكن مع نمو حجم هذه الممارسة التي تستغرق خمسة أسابيع من حيث العدد المطلق للأشخاص، فهناك نمو مشابه بتعقيد التكنولوجيا المستخدمة وتبرز الهواتف الذكية ساحة تنافس رئيسة لكسب عقول وقلوب الناخبين.
اعتاد الناخبون في جنوب آسيا منذ عشرات السنين على عطايا السياسيين خلال موسم الانتخابات، مثل اشتراكات التلفزيون والمراوح الكهربائية، مقابل أصواتهم. وخطب المرشحون ود المقترعين هذا العام بملايين الهواتف الذكية لأن معركة أكبر انتخابات عالميا تشن داخل جيوب المواطنين.
تعد الفرصة الحالية مقالية بالنسبة لمودي في استغلال تقنية الهاتف الذكي، اذ عاشت الهند منذ 2014 ازدهارا استثنائيا بعدد مستخدمي الإنترنت من 20 مليون فقط عام 2000 الى أكثر من 450 مليون حاليا. ويأتي ولوج الغالبية العظمى منهم للنت عبر الهواتف الذكية مستفيدين من حرب الأسعار بين مشغلي الاتصالات المتنافسين التي أوصلت سعر البيانات الى أدنى مستوياته، وغيّر هذا الانتعاش وجه السياسة للبلاد.
اغتنم مودي الفرصة برشاقة لاستخدام الهواتف الذكية لبناء علاقة جديدة ومباشرة مع الناخبين، وكانت حملة استخدامه تويتر ذات التغطية الاعلامية الجيدة مجرد البداية. بدأ الحزب الحاكم فور توليه السلطة بطرح تطبيق ناريندرا مودي على ملايين المؤيدين كوسيلة لحشد الدعم وتحفيزهم.
 
القوة الرقمية
انتشر التطبيق المعروف في الهند بإسم “نا مو” بسرعة نموذجا يقتدي به زعماء سياسيون آخرون، ليس على مستوى الهند فحسب وإنما العالم ايضا. وقد جمع التطبيق المذكور أكثر من عشرة ملايين تنزيل، وينّصب مسبقا على ملايين الهواتف الأخرى من عملاق الاتصالات الهندية “ريلاينس جيو” وهي الشركة المملوكة للملياردير موكش أمباني، أغنى مواطني الهند.
تعرض التطبيق لرقابة مكثفة، اذ يقول منتقدوه أنه يستخدم كوسيلة دعائية ويمثل جبهة جديدة عبر طريقة تواصل السياسيين مع جمهورهم وإبلاغهم بآخر المستجدات.
أظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مدى قوة الرسالة المنشورة رقميا، وخصوصا أن عدد متابعيه على تويتر يبلغ 60 مليونا. وما لم يستطع انجازه هو نوع المتابعة المبنية على أساس المجتمع، ونجحت بذلك مجموعة جديدة من السياسيين بزعامة مودي عبر التطبيقات الذكية.
يحدث أمر مماثل لدى الصين، حيث يمتلك الحزب الشيوعي الحاكم أكثر من 100 مليون مستخدم هواتف ذكية يتابعون كل تصريحاته من خلال تطبيق ينشر أخبار الحزب والفرصة لدراسة عقائده، وهو التطبيق رقم 1 بعدد مرات التنزيل في متجر أبل الصيني. حذا سياسيون آخرون حذو الهند مع اجراء عدة انتخابات عامة حول العالم في العام الحالي، ويركب هؤلاء موجة الشعبوية المنتشرة تقنيا والتي أوصلت مودي وترامب الى السلطة. وأطلق الرئيس الفلبيني ردوريغو دوتيرتي تطبيقا يدعى “دي يو 30” العام الماضي ويسمح له بالتواصل مع الفلبينيين عالميا قبيل انتخابات آيار الحالي. أما إندونيسيا التي شهدت مؤخرا انتخابات عامة فعاشت تطوير الحكومة تطبيقا أثار جدلا عميقا ويسمح للمستخدمين بالإبلاغ عما أسمته الهرطقة. أي مستخدم يفتح تطبيق ناريندرا مودي سيشاهد أولا صورة مذهلة لرئيس الوزراء الهندي وهو يشجع الناس على التسجيل والتطوع بمشروعه الكبير “بناء أمة.” وتشمل الواجبات العملية للمتطوعين دعم تجمعات مودي حول البلاد، اضافة الى حملة تنصيب الهواتف الذكية مسبقا بتطبيق مودي وتوزيعها على المواطنين في مقاطعات الهند وعددها 570، وصرح وزراء من الحزب الحاكم أنهم ينوون الحصول على 100 ألف عملية تنصيب لكل مقاطعة.
 
أخبار كاذبة
مع أن المعارضين عجزوا عن حشد أي شيء يقارن ولو من بعيد بآلية التسويق لتطبيق ناريندرا مودي، لكنهم نجحوا بالاشارة الى عدة قضايا تتعلق بالتطبيق قد تغير مسار الانتخابات. فقد انتشر منشور على نطاق واسع يدعي أن الأغلبية الساحقة من حالات الاغتصاب التي تتعرض لها نساء الهند خلال السنوات العشر الماضية ارتكبها مسلمون، لكن ثبت كذبه تماما وكان مصدره الأصلي تطبيق ناريندرا مودي.
ازدادت قضية الأخبار الكاذبة بين عموم ابناء الهند وشهد السباق الانتخابي اتخاذ مواقع مثل واتساب وتويتر اجراءات لكبحها، وهي مهمة شائكة اذا أخذنا بالاعتبار تطوع أكثر من مليون شخص لتنسيق حملة التواصل الاجتماعي للحزب الحاكم. نشر واتساب، وهو أكثر خدمة انتشارا بالنسبة الهند بأكثر من 200 مليون مستخدم، تقريرا رسميا لتوضيح الاجراءات التي يتخذها لتقليل الاساءة على منصته وحماية الأقليات الهندية خشية من تهميشها وحماية لحياتها.
شهد العام الماضي، وتحديدا بعد أيام قليلة من فضيحة كامبريدج أناليتيكا التي ورطت فيسبوك بخرق لبيانات ملايين المستخدمين بدون موافقتهم، انتقادا مماثلا لتطبيق ناريندرا مودي. وواجه التطبيق اتهاما من باحث أمني فرنسي بارسال بيانات المستخدمين الشخصية الى شركة أميركية من دون موافقتهم.
نفى الحزب الحاكم تلك الادعاءات، لكن ظهور الاتهامات أدى الى حرب كلمات قاسية بين الحزبين الرئيسين، حيث تلقى مودي وصفا من رئيس حزب المؤتمر راحول غاندي بأنه “الزعيم الكبير الذي يحب التجسس على الهنود.”
يعتقد أحد الباحثين أن ازدياد الاستقطاب السياسي العالمي سيدفع السياسيين الى الصراع على الأصوات عبر الهواتف الذكية وسحب العملية الانتخابية نحو ميدان صعب جديد يتطلب تدقيقا أكبر من ذي قبل.