نيك فوريزوس ترجمة: بهاء سلمان
بطرائق متعددة، بدأت قصصهن بشكل مختلف للغاية. “هدى مثنى” كانت متخرّجة للتو من إحدى اعداديات مدينة هوفر بولاية الاباما، من مدرسة تشتهر برفعة مستواها الدراسي وهوسها بكرة القدم الأميركية. وعندما اتخذت قرارها الذي سيعمل على تغيير حياتها بشكل جذري، فقد فعلت ذلك بمفردها، دون استشارة أحد، وكذبت على والديها بينما كانت تستقل الحافلة الى مدينة اتلانتا، ومن هناك بالطائرة صوب تركيا خريف 2014.
أما “شميمة بيغوم”، فقد كانت طالبة مدرسة بريطانية من أصول بنغلاديشية، التي، بمعية زميلتين لها من مدارس شرق لندن، وضعن سوية قائمة المتطلبات التي بدت اعتيادية لأية رحلة خارجية، من علب المكياج والأحذية وجهاز نزع الشعر وغير ذلك، ليصلن الى تركيا بعد ثلاثة أشهر تماما من وصول هدى اليها. عبرت الفتاتان الحدود التركية نحو سوريا لتنضما الى تنظيم “داعش” الارهابي. وبعد كل ذلك، وبينما بدأت قصة رحلة كل واحدة منهن في قارة مختلفة، فان حكايتهن الآن لديها نفس التشابك، إذ جرى وضعهما في مخيمات اعتقال نائية داخل سوريا، وهما تحملان أطفالا صغارا، متوسلتين بحكومتيهما بالسماح لهما بالعودة الى الوطن، لكن كلا البلدين رفضا مؤخرا ذلك الطلب.
خلال مقابلة حصرية، قالت هدى: “عندما كنت صغيرة، كبرت معي رغبة العمل في الصحافة وأن أصير واحدة من أوائل المراسلات الصحفيات من النساء المسلمات”. كما وصفت نفسها بأنها صاحبة طموحات سياسية، مهووسة بالمكياج والاستمتاع بموسيقى الراب والهيب هوب والريف الأميركي وغير ذلك، قبل أن تصبح راديكالية المعتقد وسط صراع عائلي. مؤخرا، أخبرت كل من هدى (24 سنة) وشميمة (19 سنة) الصحفيين عن استعدادهما للعودة الى بلديهما، مثيرتين من جديد الجدال حول توازن المصالح المتنافسة، بين سلامة دولة ما وسلامة مواطن شارد متمرّد؛ ويرى محامياهما أن الأمر الأخير له أهمية قصوى.
ويقول “حسن شبلي”، المدير التنفيذي لفرع ولاية فلوريدا لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية، والذي يمثل هدى وعائلتها: “بطريقة ما، الحال ليس متباينا تماما من سلوك “داعش” العنيف عن المرتكبين لاعتداءات جنسية ومستغلي الأطفال وعصابات العنف التي تبذل جهودا كبيرة لتجنيد وغسل أدمغة الشباب.” أما “تسنيم اكونجي”، محامي شميمة، فقد قال: “لقد كانت موكلتي هناك لأربع سنوات، وكنا سنتفاجأ اذا لم تكن قد تعرّضت لضرر أكبر من الدرجة التي وصلت اليها بالفعل.”
رفض مجتمعي
ومن الممكن أن تضع هذه الجدالات كسابقة لهؤلاء الغربيين المنضمين لمجاميع ارهابية، بضمنهم أكثر من ثلاثمئة أميركي و900 بريطاني على مدى سبع سنوات.
الجواب ليس بسيطا بالمرة لمن يرفض مسامحة أمثال هدى وشميمة؛ فقد نشرت الممثلة الإنكليزية “جيما اتكنسون” صورا تضم 22 فردا قتلوا اثناء اعتداء مدينة مانشستر الذي وقع خلال شهر مايس 2017، مدوّية بصوتها ضد المنتقدين المشككين بعرائس “داعش”، خصوصا بعد تصريحات شميمة التي أكدت عبرها تعمّد قتل الأطفال والنساء في منطقة الباغوز مؤخرا أثناء الهجمات التي شنتها قوات سوريا الديمقراطية بدعم من البريطانيين، مؤكدة أن “داعش” برر مثل هذا السلوك كانتقام، وهي تعتقد الشيء نفسه، وتراه تبريرا منصفا.
وبعد وفاة زوجها الأول خلال المعارك سنة 2015، نشرت هدى عبر تويتر كلمات غاضبة ضد أميركا، مثل “اسفكوا كل دمائهم”؛ لكنها الآن تبدي اعتذارها، متحدثة عن سيطرة أفراد آخرين على حسابها.
ويسلط الجدل المتواصل الأضواء على الصعوبات التي تواجهها القوات المقاومة للإرهاب عالميا، مع سعيها لقمع التطرّف داخل مناطقها.
وتواجه السلطات تحديات غير مسبوقة في عصر الأجهزة الرقمية، كما يقول “جون ماكلافلن”، نائب رئيس وكالة المخابرات الأميركية السابق، بضمنها عدم القدرة على متابعة أثر الإرهابيين النابعين من داخل البلدان الغربية: “بعد ظهور هذه الحقائق، عادة ما نكتشف وجود بعض الأمور المشكوك بشأنها.”
لكن ماذا عن فترة ما قبل السقوط؟ حينها سنجد حالات مثل هدى، التي نشأت وسط عائلة متزمتة دينيا، وهي الأصغر سنا بين خمسة أشقاء ولدوا في الولايات المتحدة، برغم تلقيها التشجيع لمواصلة حياة كأية مراهقة أميركية عادية.
وبقيت كذلك لغاية تلقيها هاتف ذكي كهدية لتخرّجها من الإعدادية لتبدأ التحوّل نحو التطرّف، وأبدت شعورا بعدم الود والغيظ تجاه والدتها المتزمّتة: “لم أحظ بالرابطة التي كنت أريدها، وكنت مستاءة لذلك تماما، الأمر الذي أدى بي الى السعي لمصادقة أفراد ضمن الزوايا
المظلمة لشبكة الانترنت.”
الفرار من الواقع
عند نهاية المطاف، وصل بها هذا الحال الى تجنيدها، ورحلتها المشؤومة الى سوريا وثلاث زواجات اقترنت خلالهن بمسلحي “داعش”، حيث مات أول زوجين لها.
وكتبت ذات مرة في احدى الرسائل: “رؤية منظر سفك الدماء بالقرب مني عمل على تغييري”، فتمكنت من الهرب في النهاية. يقول شبلي: “كان القناصون يطلقون النار عليها وعلى طفلها؛ وخاضت أعباء طريق خطر للغاية، حيث وضع الدواعش عبوات ناسفة لتفجير الأفراد الساعين للهروب منهم، وهي حاليا تنتقدهم جهارا بينما تبقى بحال مؤلم للغاية.”
وأبدت شميمة ندما أقل، قائلة أنها تريد العودة الى بريطانيا، لكنها ليست نادمة على ذهابها الى سوريا. وكان وزير الداخلية البريطاني قد أعلن مؤخرا نيته سحب الجنسية عن شميمة بموجب أحكام قانون بريطاني، قليل الاستخدام، يعنى بضمان سلامة العامة.
ومن المحتمل ان تواجه هدى اتهامات جنائية جدية في حال سماح أميركا لها بالعودة، لكن تلميحات الرئيس الأميركي ترامب من خلال تويتر تشير الى أنها لن ترى قاعات محاكم أميركية في الوقت القريب القادم. يقول شبلي: “تريد هدى التكفير عن أفعالها، وهي مستعدة لتحمّل أية دية تدين بها للمجتمع،” مع اطلاقه وعدا بمقاضاة ادارة ترامب كي تتمكن هدى من الوقوف أمام المحكمة يوما ما. “انه أمر خاطئ، فقد ولدت في الولايات المتحدة”.
وتدعي هدى إن تغيّر مشاعرها القلبية قد تحفّز جزئيا من خلال صفاء الأمومة: “لم أكن قريبة جدا من والدتي، لكن لكوني أما، أتطلع الى قدرتي على اصلاح ذلك.”.