د. عبد الخالق حسن
ربما لا نجانب الصواب والصدق والدقة، إذا ما قلنا إنَّ المشكلة الأزليَّة التي يعاني منها العراق، وتسببت كثيراً بتعطيله وتأخيره وفقدانه للكثير من عوامل التنمية، هي المشكلة الإدارية، أو لنقل تخلف النظام الإداري في جميع المجالات. هذه المشكلة هي العامل الأساسي، الذي بسببه يأتي العراق في المراتب المتأخرة في التصنيفات الخاصة بمؤشرات التنمية، أو المتعلقة منها بتوظيف الثروات بجميع أشكالها، الطبيعية والبشرية والجغرافية، بالشكل الأمثل والأصلح.
وفي الجانب الآخر من وجه هذه الحقيقة المؤلمة، اتخذ العراق منذ سقوط النظام الدكتاتوري سلسلة إجراءات، وأطلق العديد من البرامج، سواء أكانت بتمويل منه، أو بتمويل من منظمات دولية. لكن كل هذه المبادرات والبرامج لم تحدث فارقاً واضحاً، أو تصنع تغييراً ملموساً، يمكن أن يسهم في رفع مستويات الاستثمار الأمثل للطاقات والثروات.
فكرة المشاريع أو المبادرات هي فكرة عالمية أسهمت في نمو الكثير من البلدان وتقدمها وارتقائها.
نأخذ على سبيل التمثيل، لا الحصر، تجربة النرويج في هذا المجال. فالنرويج هي دولة تشبه العراق في مصادر اعتمادها الأساسية الخاصة بالثروات على النفط والغاز الطبيعي. ولكن مقارنةً بالعراق من حيث حجم الاحتياطيات أو الانتاج، فإن العراق يتقدم كثيراً على النرويج في هذا الخصوص. إلَّا أن الكفة تميل للنرويج بشكلٍ واضح في مجال توظيف العوائد الخاصة بالثروة النفطية والغازية. النرويج، المملكة التي تجاوز القطب الشمالي، استطاعت بفضل إدارتها الذكية أن تصنع لها صندوقاً سيادياً للثروات، يصل حجمه اليوم إلى واحد ترليون وثلاثمئة مليون يورو، وهو مبلغ ضخم تمكنت النرويج من خلال استثماره الصحيح في أن تحقق عوائد مالية ضخمة، بلغت خلال النصف الأول من هذا العام 143 مليار دولار، والمفارقة أن النرويج، وبرغم العوائد الضخمة هذه التي تأتي للدولة، فإن معدل التوظيف في القطاع الحكومي لديها يبلغ واحد بالمئة فقط، لأن الثقافة المجتمعية هناك تتجه نحو الاستثمارات الخاصة، وتوظيف الطاقات الذاتية من خلال البرامج والمشاريع، بدلاً من الاعتماد على الدولة والذهاب نحو الوظيفة الحكومية العامة. ومن بين البرامج الناجحة للنرويج في هذا المجال، هو برنامج (ريادة) الخاص بتدريب الشباب، والذي جرى استجلابه وتطبيقه في العراق مؤخراً من خلال مبادرة (ريادة)، التي أطلقها رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني. وهي مبادرة أراها خطوة مهمة لتوليد ثقافة جديدة لدى شبابنا في استثمار وتفجير طاقاتهم الإبداعية، بدلاً من انتظار الوظيفة الحكومية التي تجعله سجين الروتين اليومي. المبادرة الآن دخلت حيز التنفيذ، وأعداد المتقدمين والمسجلين فيها قاربت 200 ألف متقدم من الشباب. لهذا فإن الاستمرار في تبني مثل هذه المبادرات يعني أن الدولة والحكومة، بدأت تسير في الاتجاه الصحيح في ما يتعلق بتوظيف الثروات واستثمار طاقات الشباب.