نازك بدير*
يعدّ الاقتصاد من الوسائل الناجعة لاختراق حدود الدول و”تطويعها” بالقوة الناعمة والقبض على قراراتها والتحكّم بمستقبلها. وها هي الصين تدخل عبر هذه البوابة إلى إفريقيا، إذ تعمل باطّراد منذ سبعينيات القرن الماضي على تنمية علاقاتها، وإبرام المعاهدات مطيحة بالمصالح الفرنسيّة، ساعية إلى تثبيت وجودها عبر قنوات سياسيّة واقتصاديّة وتجاريّة.
تتساقط أوراق ماكرون بعد أن نخرها السوس؛ هو المهزوم في البيت الداخلي نتيجة السياسات الضريبيّة التعسفيّة، يواجه في الآن نفسه مروحة من الأزمات مع الخارج ولا سيّما في بلاد ظلّت فرنسا تستغل مناجمها وخيراتها عقودًا، وتكبّلها بمعاهدات ظنّت أنّها ستضمن خضوعها إلى أجل غير مسمّى. في حين يلتزم البنك المركزي لكلّ دولة أفريقيّة بالاحتفاظ بنسبة كبيرة قد تتجاوز 50% من احتياطياته النقديّة من العملات الأجنبيّة في حساب تجاري في البنك المركزي الفرنسي، غير أنّ باريس لم تفِ بعهودها (تشييد بنية تحتيّة). كأنّ علاقتها بتلك الدول تشبه علاقة وصيّ على فتى ثريّ مصاب بمرض عضال يتركه من دون علاج طمعًا في ثروته وميراثه. يدرك الأفارقة تمامًا سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها فرنسا على تعاقب رؤسائها، وهي من جهتها ترفض الاعتراف بتشكّل الوعي لديهم. وما حركات التمرّد في دول الساحل الغربي (مالي، النيجر، بوركينا فاسو...) سوى محاولات للخلاص من الهيمنة.
والاستعمار، على اختلاف أشكاله وأنواعه ودرجاته، هدفه استغلال هذا المنجم. وإن استُخدِمت عناوين برّاقة للتسلّل إلى داخل الملعب الإفريقي لكن الأهداف واضحة تمامًا؛ الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الموارد، واستمالة مَن يرونه مناسبًا من القادة إلى جانبهم ودعمه.
حيث أخفقت عاصمة الأنوار، تنجح بكين إذ تكرّس إمكاناتها لدعْم البنى التحتية في أنحاء إفريقيا. وعلى غرار المشروع الفرنسي لنشر الثقافة في مستعمراته، تعمل الصين على غرْس ثقافتها من خلال مَنْح التعليم للطلاب الأفارقة وإقامة برامج تدريب للشباب ولمسؤولين في الحكومة. بيد أنّه مهما جهدت الجهات الرسميّة في إرسال بعثات ثقافيّة ودبلوماسيّة، ثمّة خيوط لا بدّ من نسْجها، تتمثّل بالانصهار والتآلف بين الشعوب بعيدًا من المنفعة والاستغلال.
كما نجح التنِّين الصيني في تكريس نفسه لاعبًا أساسيًّا وشريكًا لا يمكن الاستغناء عنه في الساحة العربيّة والإقليميّة، بعد إزاحة الأميركي، اقترب الوقت ليفرْض نفوذه مع ظهور مؤشّرات سحْب البساط من تحت أقدام منافسيه الفرنسيّين والأميركيّين والأتراك في القارة السمراء.
كاتبة لبنانيّة