عباس الصباغ
ويسمى مجازًا بالتسمم المعلوماتي وفي أبسط مدلولاته: الإفراط غير المبرر في تصفح الهواتف الذكيَّة ووسائل التواصل الاجتماعي بجميع أنواعها أو أمام الشاشات الرقميَّة، وبدون التفكير في العواقب الذهنيَّة والصحيَّة والنفسية لذلك الافراط وقد يؤدي إلى الادمان المرضي في معظم الاحيان..
إن الاستخدام المفرط في تصفح التكنولوجيا الرقمية قد يكون على حساب الأنشطة الأخرى مثل النوم وممارسة الرياضة والتواصل الاجتماعي الواقعي (وليس الافتراضي) أو يسبب ضررا مباشرا على صحة العيون وميكانيكية النظر، كما يساهم بزيادة أعراض نقص الانتباه وضعف الذكاء العاطفي والاجتماعي والعزلة الاجتماعية (اي انعدام التواصل الاجتماعي مع المحيط الأسري أو مع المجتمع عموما )، وضعف نمو الدماغ، فضلا عن اضطراب النوم في بعض الحالات أو بحالات هي أشبه بالتوحد أو الاكتئاب، كما يؤدي إلى الإرهاق المزمن بصرياً وعقلياً وعاطفياً، مصحوبًا بنوع من الملل والضجر والتململ الذي قد يقود إلى العزلة القسرية والانفصام أو الشيزوفرينيا واخيرا الانتحار، ويؤدي ـ وهو الأخطر ـ إلى الإدمان الذي يحتاج إلى مراجعة المصحّات الطبيَّة كالمخدرات لا سمح الله، والابتعاد التدريجي الزمنكاني عن تلك الأجهزة له فوائد منها: يكون التركيز مع الاشياء بأكثر حدة وممارسة حياة اجتماعية أكثر تفاعلًا مع الآخرين، لأن الإفراط في التصفح يؤدي إلى تشتت التركيز وضعف التفاعل مع الأشياء، لذا يعد أخذ استراحة إجبارية من تصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو المشاركة فيها، هو الشكل الأكثر فائدة للتخلص من التلوث الرقمي.
نعم صحيح إن وسائل التواصل الاجتماعي واجهزة الاتصال الذكية العصرية تربطنا مع المجتمع والعالم بعدة طرائق مفيدة، ولكن في الوقت نفسه، يمكن أن يكون لها أيضاً تأثير غير صحي، لأن التجارب السلبية لهذه الوسائل يمكن أن تثير القلق والاكتئاب والتوتر وتؤثر في احترام الذات وانعدام الثقة بالنفس والآخرين، وبشكل عام يؤدي هذا الافراط إلى آثار سلبية رغم فائدة عمليات التواصل وأثرها الاجتماعي والتواصلي، وتفيد في تقريب وجهات النظر وإشاعة المعلومة الإخباريَّة والعلميَّة والثقافيَّة المفيدة بعد أن غدا العالم بسبب التقارب الزمنكاني أشبه بقرية صغيرة، فبكبسة بسيطة على زر الحاسوب أو أجهزة الاتصال الذكية، يصبح الافق الافتراضي (وليس الواقعي) متاحا للجميع، ويصبح العالم كله في متناول اليد، خاصة بالنسبة لمن ينوي الاستزادة من الثقافة والاطلاع، ولكن قد يكون ثمن ذلك باهظًا ولايخلو من آثار ومخاطر صحية وبيئية واجتماعية ونفسية، فقد أشارت الأبحاث إلى تأثيرات الأجهزة التكنولوجية الشائعة، مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب على النوم، كون الضوء المنبعث من الشاشات قد يثبّط إنتاج هرمون الميلاتونين، وهو مادة كيميائية حيوية تنظيمية مهمة تتحكم في مدة وطبيعة دورات النوم للإنسان، اذ تؤكد بعض النشرات العلمية أن هناك دليلًا واضحًا على أن التعرض للضوء الأزرق المنبعث من الاجهزة الاتصال الذكية، يمكن أن يؤثر في أنماط النوم وإيقاعات الساعة البيولوجية للإنسان، وتم ربط قلة النوم بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب، فضلا عن مشكلات القلب والأوعية الدموية ومرض السكري من النوع الثاني، وهذا من أخطر السلبيّات التي يتعرض لها الإنسان.
الحل الأفضل هو إتباع نصائح العلماء والابتعاد الطوعي لتصفح اجهزة التكنلوجيا الذكية والحديثة وان يكون بالمعقول وعلى قدر الحاجة الفعلية حفاظا على سلامتنا.