حسب الله يحيى
في كل مناسبة ومن دون مناسبة كذلك؛ يعلن عدد كبير من السياسين أنهم معنيون ومهتمون ويعملون ليل نهار من أجل مصلحة الوطن والمواطن.
وبالتأكيد لا نختلف أن هذه المصلحة ضرورية في بناء الوطن والمواطنة المنشودة، بوصفها الضرورة التي يقتضيها هذا الوطن، الذي يعاني من جملة أزمات على مدى عقدين من الزمن، والمواطن يعاني من فقدان الامن والبطالة والمرض والأمية.. إلا أن هذه (المصلحة) تنفرد بالمتحدث ذاته من السياسيين، ولا ترى النور إلا عن طريقه هو ومن حوله من الأقارب.
وتجارب.. ساعة واحدة أو إسبوع واحد أو شهر..؛ تكفي لاختبار المرء في طبيعة هذه الخدمة إن كان يقدمها لنفسه أم للآخرين.. فكيف بهذه التجارب وهي تمتحن نفسها على مدى (20) عاما؟.
كانت الفرص كثيرة، وميادين العمل متعددة، والزمن طويلاً.. ولكن ما من بادرة يمكن لنا الركون إليها، ونحن نتبيّن بالعيون المجردة أنَّ كثرةً من أعضاء هذه الفئة لم يكن أحدها يعمل إلا لتوطيد حضورها وترسيخ قاعدتها الشخصية، إلا وكانت على حساب شعب بكامله!.
ومع ذلك، تعمد هذه الفئة إلى تبييض وجودها، وتوسيع ساحة انطلاقها عن طريق جملة من التصريحات والنداءات والكلمات الجميلة والشعارات البرّاقة؛ بغية إنتاج حضورها، لكي تتبؤا المكان المرموق لها في الساحة السياسيَّة والاجتماعيَّة، ولأقصى مدى ممكن من البقاء، مستفيدة من الرواتب الباذخة والحمايات والامتيازات.. التي يحرم المواطن حتى من أبسط حقوقه، تجاوزا على أحقيته في الحياة، بوصفه إنسانًا وعراقيًّا من أبناء هذا الوطن الذي له حقوقه وواجباته..
إلا أن هذه الفئة من المستفيدين، تلزم المواطن بأداء جملة من الواجبات من دون أن تكون له حقوق.
من هنا نجد أن أبواب البيوت تدقُّ يوميًا بهدف تجديد بطاقة الانتخابات، في حين يراد من المواطن أن يعاني من الذل والمهانة والعيش في سلسلة من الإجراءات الروتينيَّة والتعسفيَّة، لكي يحصل على البطاقة الموحدة أو الحصة التموينيَّة أو دفتر الأمراض المزمنة، أو الراتب التقاعدي أو معالجة مرضه في أيِّ مشفى أو تعليم ابنه في أية مدرسة أو كلية.
إن مصلحة الوطن والمواطن غائبة في عراق اليوم. هذه حقيقة لا يمكن التنكر لها أو رفض وجودها في حياتنا الراهنة، وحتى المستقبلية، باعتبار أن العراق يعاني المديونيَّة الثقيلة، التي لا بد من إيفائها للعالم جيلًا بعد جيل.
وهذا الأمر يجعلنا رهن هذه الفئة، التي تغامر برهان تكرار حضورها أو استنساخها، لكي يكون الوطن والمواطن في أدنى مكان في الحياة الدنيا، ولا قدرة له حتى على أن يعيش أمنًا مستقرا في ضمان رغيف خبزه ودوائه وتعليم أبنائه.
إنَّ بنا حاجة إلى نخبةٍ جديدةٍ من المواطنين الخيرين، الذين يعرفهم المجتمع العراقي عن طريق تعامله اليومي معهم، لكي يقدمهم ويضع ثقته بهم، بوصفهم أهلًا لهذه المهمة ووضع الثقة بها، والتي من شأنها أن تعمل من أجل مصالح الآخرين، وليس لمصلحة نفسها وأبناء عمومتها على وجود الوطن والمواطن.
اما مسألة مقاطعة الانتخابات، فإنَّ من شأنها أن تلحق أضرارا ليست في مصلحة الوطن ولا المواطن، وهذا ما تريده هذه الفئة فعلا.. فهي من ترشح وتنتخب في الوقت نفسه.. ودليلنا أن عزوف الناس عن الانتخابات هو الذي أبقى على هذا الفشل والفساد طوال هذه الأعوام.
إنًّ عيونًا مفتوحة وقلوبًا ظامئة للحياة، وعقلًا نيرًا للفعل؛ لا بد أن ترافق خطواتنا، ونحن نخوض تجربة جديدة، تمليها علينا ضمائرنا وقيمنا ومبادئنا، في اختيار من هو جدير بالثقة، وله تاريخٌ ناصعٌ وخبراتٌ مرموقةٌ حتى تكون لنا القدرة على التغير المنشود.
وبعكس ذلك لا نلوم إلا أنفسنا. ذلك أن الشعب، هو الذي يغيّر، وهو صاحب الإرادة وليس من قدرة لفئة أو أحد أن يتجاوز على مصلحة الوطن والمواطن.