الحفاظ على التراث الشعبي مسؤولية الجميع

آراء 2023/10/09
...

 د. عبدالواحد مشعل


 يعدُّ التراث سواء المادي أو غير المادي، ثروة وطنيَّة تناقل خلال الأجيال، وهو يمثل أهم مفاخر الشعوب الحيَّة، والذي يكون محط تقدير لديها، ودائما تعدُّه من أهم ما يعبّر عن هويتها الثقافيَّة والتراثيَّة، فكان ولا يزال العراقيون والمصريون والصينيون والهنود والفرس، يفتخرون ويؤكدون منجزاتهم الحضارية في الشرق، آسيا وإفريقيا، بصفتها أولى حضارات الإنسان في التاريخ، ولا تزال أشكال الفنون والازياء والمعالم المادية الأثرية شاخصة إلى اليوم، بكل ما تحتويه من تراث هذه الشعوب المادي واللا مادي، وتعد حضارة العراق من بين تلك الحضارات معطاة للإنسانية في تميّزها بتعليم العالم الكتابة والتنظيم الإداري والبطولات العسكرية، وغيرها من المميزات، التي يشهد لها العالم بأسره، وتراثنا الشعبي الذي وصل إلينا في فترات متتالية، لا سيما في مدننا القديمة بكل ما يحمل معه من طرق وأساليب وفنون العمارة وطراز الأسواق وتصنيفاتها من قصابين ومحال بيع الحبوب والخضر، ومحال الحرفيين اليدويين وسوق الهرج والبزازين وغيرهم، فضلا عن أسماء محلاتها وتميزها بعاداتها وتقاليديها وحكاياتها وأساطيرها، وما تحتويه من مرافق خدمية كالحمامات الشعبية وأزيائها، ولا شك أن للتراث الشعبي خصوصيته الجمعية، بصفته يمثل انتاج المجتمع، وليس فردا أو مجموعة من الأفراد، سواء وصلنا شفاهياً أو بآثاره الشاخصة في مدننا حتى اليوم، وهو يعد بكل تجلياته معبرا عن محطات عريقة تتمثل بنظم القيم والعادات، التي تحظى بتقديرٍ كبيرٍ في نفوس وعقول الأجيال اللاحقة، وتبقى المسألة الأهم في مرحلتنا الحالية، هي تلك التغيّرات الثقافيَّة، التي نقلتها إلينا أدوات العولمة، حتى أصبح التراث الشعبي بأنواعه كافة مهددًا بالضياع أو عدم الاهتمام، وفي هذا الصدد لا بدَّ من أن تنظم حملات ثقافيَّة واسعة النطاق للتعريف بهذا التراث العريق، والذي يثير الاهتمام الإيجابي، وأن كثيرًا من فئات مجتمعنا، لا تزال تعبّر عن تراثها في مناسباتها المختلفة، فتظهر الأزياء والأهازيج والفنون المعبرة عن هويتهم الفرعية، وهذا يدعو إلى التفاؤل، ولكن هذا لا يكفي في عصر تزحف إلينا ثقافته يوميًّا بآليات مختلفة، وهو ما يجعلنا نقول: آن الآوان أن تنطلق حملة شعبيَّة في كل محافظاتنا تذكّر أجيالنا بتراث أجدادهم، والتعريف بأزيائهم سواء من النساء أو الرجال، وطرق حياتهم البسيطة وعلاقاتهم النقية، حتى نظهر لأجيالنا، كيف كانت المرأة الريفيَّة تشد عصبتها، وكيف تتجمل (بالجلاب والأعران)، وكيف كانت تشدُّ عباءتها على خصرها، وكيف تلف رجليها بقماش، وهي تعمل في الحقل الزراعي، وتربية الحيوان، وهي تشدو بأغانٍ وأشعار وأهازيج، منبعها الأرض الطيبة والعلاقات والإنسانيَّة النقيَّة، يشاطرها بذلك الرجل ضمن مجموعتها القرابيَّة والمجتمعيَّة، كل هذا يدعو وزارة الثقافة وبيوتها الثقافية المنتشرة في محافظات البلاد إلى تنظيم حملات شعبية للحفاظ على التراث على وفق مميزات كل محافظة، وتشجيع الأفراد على إحيائها وتمثيلها بمختلف الطرق، التي تظهر لنا أصالة وقيمة تراثنا الشعبي، فالمجتمع الذي يهتم بتراثه سيكون قادراً على التفاعل مع حضارة العالم، وهو يعتز بتراثه، الذي سيكون على هذا الأساس بوابة لعملية تطوير المجتمع، متفاعلا مع مستجدات العصر الحضاريَّة، وهو يعزز بتاريخه وقيمه وتراثه أصالةً العراق، فلا يمكن لأي مجتمع أن يحقق منجزات حضارة ساميَّة، إلا من خلال انطلاقه من أصالته، لكي يعزز المصدّات الثقافيَّة للعناصر الثقافية، المفروضة علينا بوسائل الاتصال الحديثة، وليكن شعارنا نبني تطورنا الحضاري باعتزازنا بفولوكلورنا، الذي يفوح منه عطر الإصالة والإبداع، فالتجديد والتحديث لا يمكن أن يمر إلا من خلال تكوين بناءات ثقافية واجتماعيَّة، أساسها فخرنا بتراثنا الشعبي، الذي يميز الإنسان العراقي ببيئاته المختلفة شخصيةً وثقافة، فلتكن لنا حملة في كل محافظة بالتعاون مع البيوت الثقافية لوزارة الثقافة، لإظهار هذا التراث الأصيل، الذي يرسم ملامح وحدة ثقافة المجتمع العراقي بأكمله.